الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي مهم ولكن ليس بلا حدود

 

أدت الحرب الروسية في أوكرانيا هذا العام وأزمة الطاقة الناتجة في أوروبا إلى زيادة الطلب على الغاز الطبيعي الذي سيمكن الاتفاق بين لبنان وإسرائيل من استخراجه من البحر المتوسط. وفي الآن نفسه، أضافت الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في لبنان ونتائج الانتخابات الإسرائيلية واستمرار التوترات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني المزيد من الحوافز لإتمام الصفقة..

المسؤولون في لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة أشادوا بالاتفاق الذي طال انتظاره والذي وقّع الأسبوع الماضي، باعتباره عامل تغيير للعبة. وهو بعيد كل البعد عن اتفاق سلام، لكن المؤيدين يقولون إن المصلحة المشتركة لاستغلال الغاز ستجعل خوض العدوين اللدودين لحرب غير مرجح.

وبينما أيّد حزب الله المدعوم من إيران الاتفاق، وهو الذي خاض حربا مدمرة مع إسرائيل سنة 2006، يأمل اللبنانيون أن يساعد ذلك في إنقاذ بلدهم من الانهيار المالي.

تقول رندا سليم، مديرة برنامج تسوية النزاعات وحوارات المسار 2 في “معهد الشرق الأوسط” ومقره واشنطن لـ”أسوشيتد برس“ إنها لا تعتقد أن الأمر شبيه باتفاقات أبراهام من حيث تغيير النسيج السياسي في المنطقة. وتضيف سليم ”لأنه لم يغير ذلك من طبيعة العلاقة بين لبنان وإسرائيل”.

وكان اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في البحر المتوسط قبالة السواحل اللبنانية والإسرائيلية والسورية، قدّرتها دراسة أميركية بنحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز قد دفع الولايات المتحدة لأول مرة إلى محاولة التوسط في الحدود البحرية في 2010. واستغرق الاتفاق على هيكل المحادثات ثلاث سنوات، لأن المسؤولين اللبنانيين حرصوا على تجنب الظهور وكأنهم يعترفون بإسرائيل.

أما ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي تولى الوساطة في تلك المرحلة، فيقول إن كلا الجانبين جاء بعد ذلك بـ”مطالب متطرفة”، وتعثرت المحادثات.

ويضيف شينكر “لم تكن حقا أولوية بالنسبة إلي. قلت إذا أراد اللبنانيون ذلك فلا بأس. إذا كانوا لا يريدون ذلك فلا بأس أيضا“.

وانطلقت المفاوضات مرة أخرى مع إدارة بايدن بوساطة كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة العالمي إسرائيلي المولد عاموس هوشستين الذي سبب تعيينه بعض الانتقادات في لبنان.

وسارت المحادثات ببطء حتى فبراير، حيث تغيرت الصورة عندما غزت روسيا أوكرانيا. وأقر كل من المسؤولين اللبنانيين والإسرائيليين بأن الطلب العالمي على الغاز أدى إلى تسريع المحادثات.

ويبقى لبنان بحاجة ماسة إلى مكاسب غير متوقعة. فقد أوقعت أزمته الاقتصادية ثلاثة أرباع سكانه في براثن الفقر.

ومع ذلك، يقول الخبراء إن صناعة الغاز الوليدة من غير المرجح أن تكون حلا سحريا.

قدرت دراسة أجرتها مبادرة النفط والغاز اللبنانية ومجموعات أخرى قبل عامين أن عائدات النفط والغاز المحتملة لن تتجاوز على الأرجح 8 مليارات دولار، أي 10 في المئة فقط من دين لبنان العام الضخم.

ويقول مدير المبادرة التنفيذي عامر مردم بك إن “هذه بالتأكيد خطوة إيجابية إلى الأمام، لكنها ليست بالمقياس الذي يتم تصويره للجمهور. لن نستيقظ غدا، وسيكون كل شيء على ما يرام ويختفي الدين”.

ويضيف مردم بك إنه من المحتمل أن يكون هناك غاز في الحقل ولكن لا يمكن معرفة الكمية قبل الحفر. كما يوجد خطر اختلاس عائدات الغاز بفعل الفساد. حيث خصص لبنان صفقات ضخمة لشركات مرتبطة سياسيا على مدى عقود.

المدير المؤسس لـ”مبادرة سياسات الغد”، سامي عطا الله يرى أنه إذا لم يتغير ذلك الوضع “فستخضع تلك الإيرادات لنفس قنوات المحسوبية والمحاباة”.

في المقابل، روّج مؤيدو الصفقة في إسرائيل للمزايا الأمنية والاقتصادية المحتملة. وقال وزير الدفاع بيني غانتس مؤخرا إنها “تؤسس معادلة أمنية جديدة فيما يتعلق بالبحر والأصول الإستراتيجية لدولة إسرائيل”.

الاتفاق مهّد الطريق أمام إسرائيل لبدء الحفر في حقل غاز كاريش. فيما هدد حزب الله في وقت سابق من هذا العام بضرب السفن العاملة في الحقل إذا بدأت إسرائيل في استخراج الغاز قبل التوصل إلى اتفاق مع لبنان.

وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إن ذلك أجبر إسرائيل على تقديم تنازلات. ويتهم منتقدو الصفقة الإسرائيليون رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد بالاستسلام لتهديدات حزب الله.

قد تزيد نتيجة الانتخابات الوطنية الإسرائيلية من تعقيد الصورة. فقد تعهد بنيامين نتنياهو سابقا بـ”تحييد” صفقة الحدود البحرية. ومع ذلك، يقول مسؤول كبير في الإدارة الأميركية مطلع على المفاوضات إن البيت الأبيض يعتقد أن نتنياهو سيتردد في الابتعاد عن صفقة من شأنها أن تكون نعمة للاقتصاد والأمن الإسرائيليين. وكتب إفرايم إنبار، رئيس معهد ”القدس للإستراتيجية والأمن“ أن إسرائيل في المفاوضات فشلت في الاستفادة من “الضعف الكبير” للبنان الذي يحتاج إلى عائدات الغاز من الأراضي المتنازع عليها أكثر بكثير من إسرائيل.