الجامعة اللبنانية ترفض التعليم من بعد: 5 ملايين دولار أو الإقفال

يبدو أن الجامعة اللبنانية متجهة لإقفال أبوابها أمام الطلاب نهائياً، ومن دون العودة إلى التعليم من بعد حتى. فملفات الجامعة ليست ضمن أولويات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي ألغى جلسة الحكومة المخصصة لموضوع التربية، ليس بسبب عدم وجود توافق سياسي، بل لأن أي "جلسة تربوية" جدية تعني فتح "صندوق باندورا" أمامه، خصوصاً أنه ليس بوارد تخصيص لو حفنة بسيطة من الدولارات من حقوق السحب الخاصة بلبنان، لإنقاذ الجامعة.

رفض البنك الدولي
رغم الظروف الصعبة في البلد، رضخ أساتذة الجامعة وفكوا الإضراب وانطلق العام الدراسي في كل الكليات، ولم تتعرض الجامعة لما تعرض له التعليم الرسمي المضرب عن التعليم منذ نهاية العام المنصرم. ووصل عدد المسجلين في الجامعة إلى أكثر من خمسين ألف طالب (تراجع كبير عن السنوات السابقة)، رغم أن باب الانتساب مدد حتى نهاية شباط المقبل. لكن وقف عقود الصيانة والتشغيل في مجمعات الجامعة، وارتفاع سعر صرف الدولار، وانتخابات رابطة الأساتذة، وتمنّع الحكومة عن المساعدة، مثل الدول المانحة، وضعت الجامعة أمام المصير المحتم: إقفال أبوابها ومن دون اللجوء إلى التعليم من بعد أيضاً.

وقد كانت الجامعة موعودة بمنحة من البنك الدولي بنحو ثلاثة ملايين دولار، لتحسين ظروف أساتذتها. لكن بسبب سطو الحكومة على صلاحيتها، والتدخل بمجلس الجامعة في التعيينات، وعدم استقلالية الجامعة، لم يوافق ممثل البنك الدولي على المنحة، وأبلغ رئيس الجامعة أن المساعدات مقرونة بالإصلاح السياسي في لبنان.

حقوق السحب الخاصة
وضعت الجامعة على طاولة ميقاتي ملفاتها من تقديم الحوافز بالدولار للأساتذة (مئة دولار بالشهر لتحمل جزء بسيط من بدل النقل) وإدخال المتقاعدين المتفرغين إلى الملاك، وإقرار ملفات التعاقد، وتأمين مبلغ عشرة ملايين دولار للصيانة والتشغيل. فلا يجوز أن القطاعات العسكرية تمنح مئة دولار لأفرادها وتعمل وزارة التربية على تخصيص مئة دولار لأساتذة التعليم الرسمي، فيما أساتذة الجامعة يتركون من دون أي مساعدة. إذ يكفي، وفق دراسة أعدتها الجامعة، تأمين خمسة ملايين دولار لدعم الأساتذة والمتعاقدين بمئة دولار حتى نهاية العام الدراسي. وهو مبلغ بسيط من أصل نحو مليار دولار من حقوق السحب الخاصة للبنان من صندوق النقد الدولي.

لكن الجلسة الحكومية ألغيت بسبب المطالب الكثيرة لكل القطاع العام الذي يضغط من أجل إقرار سعر صرف خاص بالموظفين على أساس 15 ألف ليرة، مع الإبقاء على مساعدات الدولة، أي مضاعفة الرواتب ثلاث مرات. ويبدو ألا توافق سياسي حول هذا الموضوع، ما يعقد التوصل إلى حل لإضراب موظفي القطاع العام، والذي سيشهد إضافة إضراب الجامعة اللبنانية، التي ما زالت مستمرة في التعليم.

التعليم من بعد
وقد استبقت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الأمور ودعت رئاسة الجامعة إلى إعادة النظر بالتعليم الحضوري إلى حين تسوية الأمور وتوفير بدل النقل المناسب للأساتذة. وقالت إن الأساتذة أبدوا حرصاً على مستقبل الطلاب ومستقبل الجامعة الوطنية، وأفسحوا في المجال أمام رئاسة الجامعة ووزارة التربية لإيجاد الحلول العملية لإيجاد الحد الأدنى من الاستقرار لدى الأساتذة، لكن ذلك لم يحث الحكومة بشكل عام، ووزارة التربية بشكل خاص، على تأمين المقومات الضرورية للحفاظ على الجامعة الوطنية، ولم يلاقوا الأساتذة والموظفين في منتصف الطريق.

وأكدت رابطة الأساتذة أنه الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، وعدم تحرك الحكومة ومؤسسات الدولة للجم هذا الجنون الحاصل على كل المستويات، يستدعي من رئاسة الجامعة إعادة النظر بالتعليم الحضوري إلى حين تسوية الأمور وتوفير بدل النقل المناسب للأساتذة المتفرغين والمتعاقدين والموظفين، الذين يتكبدون مصاريف تفوق ما يتقاضونه تحت مسمى رواتب ومساعدات اجتماعية.

انتخابات رابطة الأساتذة
دعوات رابطة الأساتذة تتزامن مع إقفال باب الترشيح لانتخابات الرابطة. فقد أقفل باب الترشيح لعضوية مجلس المندوبين يوم الخميس. ورغم أن بعض الكليات لم تشهد حماسة للترشح وفاز المندوبون بالتزكية، إلا أن كليات أخرى لم تشهد إقبالاً على الترشح ولم يكتمل العدد، فتم تمديد فترة الترشح لأسبوع إضافي. ووفق مصادر مطلعة يشعر الأساتذة بالحرج في ظل المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقهم، ما يحول دون إقبالهم على الترشح.
بيد أن تصاعد مطالب الهيئة التنفيذية الحالية للعودة إلى التعليم من بعد، ورغم أنها أتت بعد ارتفاع ثمن المحروقات، إلا أنها تأتي لتحقيق رغبة جزء كبير من أساتذة الجامعة في التعليم من بعد، ورفع عبء الانتقال إلى الصفوف. وبالتالي، تريد القوى السياسية في الرابطة كسب الأصوات في الانتخابات.

فبشكل عام، يعتقد الأساتذة أن العودة إلى التعليم من بعد أفضل للأساتذة والطلاب في ظل الظروف الحالية، وارتفاع سعر صرف الدولار. لكن الجامعة تعتبر أن العودة إلى التعليم من بعد يعني تدمير ما تبقى من الجامعة. وبالتالي الأفضل إقفال الجامعة نهائياً في حال لم تلب الحكومة مطلب تأمين مئة دولار شهرياً لكل أستاذ، كتعويض عن بدل ارتفاع أسعار المحروقات، بكلفة خمسة ملايين دولار فحسب.

ووفق المصادر، في حال لم تقبل الحكومة بهذا الأمر، فلن تعود الجامعة للتعليم من بعد، إلا إذا قررت كل الجامعات الخاصة العودة إلى التعليم من بعد. وعلى الحكومة والقوى السياسية تحمل مسؤولياتها والمبادرة إلى دعم الأساتذة، ودفع كلفة تشغيل وصيانة المجمعات الجامعية، في حال كانت الجامعة تشكل أولوية لها، تقول المصادر.