الدولار في لبنان سعره حسب لونه

كتبت جويل رياشي في جريدة الأنباء الكويتية:

الدولار في لبنان سعره حسب لونه! هذه حقيقة وليست دعابة وهي جديد اليوميات اللبنانية المصاحبة لانهيار قيمة العملة الوطنية، والانهيار الاقتصادي غير المسبوق في تاريخ البلاد، والذي دخل عده التنازلي بعد احتجاجات 17 أكتوبر 2019، وهي الاضخم في تاريخ وطن الأرز.

حبكة جديدة فرضها تاجرا شحن الاموال اللذان يقدمان خدماتهما في جلب الدولارات النقدية الى البلاد، وتصدير الأوراق الممزقة منها. وقد استفادا من انسحاب تاجر ثالث بعد اقفال شركته جراء صراع قضائي.

 

في المحصلة، يدفع اللبناني ثمن بدع مبتكرة، وبينها امتناع التجار وعدد من المصارف عن قبول الاوراق النقدية من فئة الـ 100 دولار ذات اللون الأبيض، اي الطبعات القديمة التي سبقت إصدارات ورقية جديدة للعملة الأميركية تعرف باللون الأزرق.

 

تدقيق مبالغ به بالأوراق ذات اللون الأبيض، وكذلك «بحث متقدم» في الأوراق الزرق، عن بقع او رث في الأوراق، ما يجعلها في خانة المرفوضة. اما الممزقة قليلا فتدرج في خانة غير المقبولة، وكذلك الاوراق التي تحمل لصقا لتغطية الممزق منها.

 

هذه الفئات تفرض على حاملها دفع نسب مقطوعة تتراوح بين ثلاثة دولارات و20 للتخلص منها، تحت ذريعة شحنها الى الخارج. ويسارع الصرافون الى القول ان التعرفة الخاصة بالشحن تبدلت «بعد خروج مكتف من السوق، واقتصار الأمر على شركتي حلاوي وبوغوص»، بحسب جوزف الذي يدير شركة صيرفة عريقة أسسها والده الحاضر دوما الى جانبه.

 

هذا الأمر استوجب تغريدة من السفارة الأميركية في بيروت، أشارت فيها الى «ان جميع الأوراق من فئة الـ 100 دولار الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (المصرف المركزي الاميركي) والعائدة الى عام 1912 هي صالحة للتداول».

 

الا ان بعض الصرافين يبادرون ممازحين الزبائن بالطلب اليهم «إجراء عملياتهم النقدية مع السفارة الأميركية في عوكر». وبعد أخذ ورد تحدد النسب المقطوعة الواجب دفعها للتخلص من هذه الأوراق «غير الصالحة» في السوق اللبناني.

 

ويعزو روجيه وهو صاحب شركة صيرفة صغيرة هذه الظاهرة «الى تخزين الناس زهاء خمسة مليارات دولار في منازلهم بعد انهيار القطاع المصرفي، بامتناع المصارف عن تسديد أموال المودعين في كل العملات الأجنبية والوطنية بعد أكتوبر 2019. واستغل البعض الأمر ليفرض تعرفة غير معهودة في سوقنا اللبناني، وتأسيس بيزنس جديد».

 

اما بولس مدير فرع أحد المصارف الكبرى خارج العاصمة بيروت، فيشير الى «إلزامية قبول المصارف كل الأوراق النقدية من العملات الأجنبية. الا اننا نواجه مشكلة في رفض الزبائن تسلم أوراق نقدية قديمة من فئة الـ 100 دولار، وخصوصا عبر أجهزة الصراف الآلي.

 

وفي المقابل تعمد غالبيتهم الى تحويل مبالغ مالية الى الخارج بالسقف المحدد للفرد سنويا والذي يصل الى 150 الف دولار أميركي، مستخدمين الأوراق النقدية القديمة اي البيضاء من فئة الـ100 دولار. لذا اعتمدنا وضع أوراق زرقاء في أجهزة الصراف الآلي، ونعتذر بلباقة من الذين يتعمدون التخلص من الأوراق النقدية القديمة من هذه الفئة».

 

طريقة أخرى لمن يستطيع الانتصار، اي يملك الإمكانات، للتخلص من الأوراق غير الصالحة في السوق اللبناني، بتجميع هذه الأوراق ومنحها الى أحد المغادرين الى الخارج.

 

اما الذين لا يستطيعون ادخار الدولارات طويلا، فلا حيلة أمامهم الا بالقبول مرغمين باقتطاع نسب منها، والانتباه تاليا الى ما يحصلون عيله في المقابل من السوق.

 

«بيزنس جديد» ومربح للبعض، ولا يشكل مشكلة للبعض الآخر من النافذين و«الواصلين» اي القادرين على التخلص من هذه الأوراق عبر أصدقاء لهم في المصارف، او ارسالها الى الخارج دون دفع كلفة عليها.

جدل ابتدعه ما بات يعرف بـ «تجار الأزمة»، ويتوقع الا يكون الأخير، في ضوء افتقاد سلطات الرقابة المبادرة والحزم.