السيناريو القاتم لشلل تعطيلي "آتٍ"!

ترهق الصحف ووسائل الإعلام التلفزيونية "والتواصلية" يوميا اللبنانيين بسيناريوات الحرب الإسرائيلية "الآتية" لا محال، علما أن برمجة العمليات التي تديرها إسرائيل منذ سنة تماما بعد اتفاق وقف العمليات العدائية بينها وبين لبنان ليست أقل من حرب استنزاف. ومع أن عامل الإثارة التضخيمي بات يطبع السلوكيات المهنية الإعلامية على نطاق خطير مقوض للصدقية في تقديم التصورات والتوقعات والتقديرات التي تنهال على رؤوس اللبنانيين، فإن ما سيتناوله السيناريو الآتي حيال أخطر تهديد لاستحقاق أساسي ركني في عملية التغيير الديموقراطي المرتقبة في أيار المقبل، ليس سوى رسم بياني شديد الواقعية وشبه حتمي ما لم يتم تدارك الانفجار السياسي القابع خلف أبواب مجلس النواب وفي مقارّ الرئاسات والكتل النيابية والقوى السياسية كافة.

نقصد بذلك أن ثمة ما يتهدد لبنان، سواء بسواء مع سيناريوات الحرب، في السير قدما ومن دون أي روادع، نحو ترسيخ شلل برلماني شامل لمجلس النواب، إن مضت رئاسة المجلس، وفق كل المؤشرات والمواقف والإيحاءات المباشرة وغير المباشرة الصادرة عنها أو عمن يلوذ بسلطتها النيابية والحزبية والمذهبية، في التحصن خلف متاريس صلاحياتها المتورمة والمنتفخة بواقع الثلاثة عقود ونيف من رئاسة متواصلة قياسية، لمنع انتخابات حرة غير مقيدة للمغتربين اللبنانيين.

مع اتجاه رئيس مجلس النواب إلى دفن مشروع قانون حكومي مع خمسة أو ستة اقتراحات قوانين نيابية، في لجنة نيطت بها من الأساس مهمة جهنمية لمنع الغالبية النيابية من ترجمة اتجاه شاذ خطير لتقنين تمثيل المغتربين منذ وضع قانون الانتخاب الحالي بظروف تسوية سيئة عام 2017، سيكون الاتجاه الحتمي الهرولة بسرعة نحو شلل تامّ ينجم عن تصعيد الأكثرية لمقاطعة جلسات التشريع ردا على استفحال نزعة الهيمنة الفردية التي يعتمدها عميد رؤساء المجالس النيابية في العالم. وإذا مضى رئيس المجلس في عدم إدراج مشروع قانون الحكومة المعجل المكرر على رأس جدول أعمال جلسة تشريعية يدعو إليها، وتلاوة المشروع وفق ما يوجب ذلك النظام الداخلي، فإن الأمر سيشكل واقعيا الهرولة الأسرع نحو تصعيد قياسي في التوترات السياسية التي سيدخل لبنان تحت وطأتها مع حلول السنة الجديدة واقتراب حمّى الاستعدادات الانتخابية من الانطلاق بأقصى السرعة نحو أيار الانتخابات.

بحرب جديدة أو من دونها، أن دخل لبنان السنة الجديدة وسط اللعبة المشؤومة المكشوفة لاستهلاك الوقت ومنع إقرار المشروع الحكومي الذي أعطى المغتربين حقهم الدستوري الطبيعي في مساواة المقيمين بانتخاب جميع النواب تبعا لدوائرهم، فإن ذلك سيشكل أخطر تعريض للبنان لانفجار سياسي ينجم عن شلل مجلسي بفعل التخطيط المتعمد لتجاوز كل الخطوط الحمر التي تمليها المهل الدستورية والقانونية لإقرار تعديل قانون الانتخاب، وعندها يغدو القانون كما هو من دون تعديل وجهة قسرية للانتخابات بضرب إرادة الحكومة والأكثريتين الحكومية والنيابية وفرض أمر واقع يطيح انتخاب المغتربين كما يتهدد الانتخابات كلّا.

حتى التمديد لمجلس النواب الحالي، كآخر الشرور والخيارات التي قد تطرح في مرحلة تقدم خطر إطاحة الانتخابات، سيسقط ولن يكون متاحا، لأن الشلل سيحول دون تقديم اقتراحات قوانين بالتمديد وإقرارها وسط تصاعد الانقسامات والتوترات إلى ذروتها. هذا الجاري الآن، إن مضى من دون ردع سياسي عاجل، سيقود لبنان إلى تهلكة انتخابية وسياسية ترتد بقسوة متدحرجة على العهد والحكومة وترسيخ معادلة الدولة الفاشلة.