المصدر: المدن
الكاتب: غادة حلاوي
الأربعاء 12 تشرين الثاني 2025 11:23:55
تتكرّر على نحوٍ يوميّ الاتهامات الإسرائيلية للجيش بالتقصير في بسط سيادته جنوبَ الليطاني وشمالَه؛ إذ يتعرّض عناصر الجيش لعدوانٍ إسرائيليّ متواصل، ناهيك بالضغوط السياسية التي يعبّر عنها بين وقتٍ وآخر الموفدان الأميركيان مورغان أورتاغوس وتوم باراك، اللذان يطالبان الجيش بتنفيذ خطّته «حالًا» و«بأسرع وقت»، متغافلين عن الصعوبات التي تعترض عمله. ومَن يقوم بالعمل الأصعب هو نفسه موضعُ تشكيكٍ وإهانة، وسط صمتٍ حكوميٍّ مطبق.
أراد قائد الجيش العماد رودولف هيكل هزَّ هذا الصمت في جلسة الحكومة الأخيرة، مقترحًا وقف العمل على تنفيذ اتفاقٍ يُنفَّذ من جانبٍ واحد. غير أنّ الحكومة كما يبدو لن تلاقي مطلب قائد الجيش بالموافقة على تجميد تطبيق خطة الجيش جنوبَ الليطاني، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة. لم ينل الاقتراحُ مداه في النقاش، وقد لا تكون الحكومة قادرة على تدعيم موقف المؤسسة العسكرية، بالرغم مما تضمّنه تقريرُها عن تطبيق مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة.
تحتمل جملةُ هيكل قراءةً في أبعادها بعيدًا من الحسابات السياسية الضيّقة لبعض القوى. في الشكل، كانت المفارقة أن تستدعي الحكومة قائدَ الجيش دوريًا لمناقشة خطةٍ يفترض أن تكون محاطة بالسرّية وأَلا تكون عرضة للنقاش داخل مجلس الوزراء وخارجه من قبل قوى سياسية لا علاقة لها بالاعتبارات الأمنية.
جملة بأبعاد كثيرة
للجملة التي قالها هيكل أبعادٌ خطيرة؛ إذ عبّر عن امتعاضه ضمنًا من مواصلة عمله في ظلّ تشكيكٍ وإهانةٍ مستمرّين، ووسط صمتٍ حكوميٍّ على ما يتعرّض له الجيش في الجنوب، في حين تواصل إسرائيل انتهاك الاتفاق، ويُستهدف عناصره مباشرةً على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، مع غضّ النظر داخليًا من الحكومة التي لم تربط استمرار عمل الجيش بوقف الاعتداءات أو بانسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلّها.
متحدّيًا الصعوبات، يواصل الجيش تنفيذ خطة جمع السلاح من جنوب الليطاني. ومع نهاية العام، يكون قد بسط سيطرته هناك لينتقل إلى المرحلة الثانية؛ أي شمال الليطاني. ومنذ بداية تنفيذ الخطة أنجز الجيش عمله بدقّة، ومع نهاية العام الجاري، يمكن اعتبار جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح نهائيًا؛ إذ باتت المراكز والمستودعات العسكرية التابعة لحزب الله تحت سيطرته، ويُمنع الوصول إليها، وهذا ما يجعل إعادة تأهيلها أمرًا غير ممكن، ويدحض الادعاءات الإسرائيلية المتكرّرة في هذا الشأن.
وقد جمع الجيش كل ما وجده داخل المخازن والمستودعات، وتعامل معها كما يتعامل الطبيب مع الدواء: يحتفظ بما هو صالح ويفجّر الباقي. وعبر عمله، يصرّ الجيش على إسقاط محاولات التشكيك بقدراته على بسط سيادته جنوبَ الليطاني وشمالَه، وحصر السلاح بيد الدولة، مدركًا أنّ إسرائيل لا تريد له أن ينجح في تنفيذ الخطة، وقد سبق أن رفضت عبر الميكانيزم عدّة خطط لسحب السلاح وانتشار الجيش.
وإذا كانت المرحلة الأولى من الخطة قد نُفّذت رغم الصعوبات، فإنّ العين الآن على المرحلة الثانية؛ أي سحب السلاح من شمال الليطاني، وهي ستكون أصعب وأكثر تعقيدًا، لاعتباراتٍ عدّة أهمّها غياب الإجماع اللبناني واستمرار العدوان الإسرائيلي. باتت المؤسسة العسكرية على يقينٍ أنّ إسرائيل لا تريد لعمل الجيش أن يستكمل، وهي تضعه موضع التشكيك. حتى الولايات المتحدة لم تُوفّر الجيش من انتقاداتها، التي عبّرت عنها الموفدة مورغان أورتاغوس بوضوح في هجومها على قائد الجيش قبل أن تعود إلى زيارته، وقد صارحته بتبدّل نظرتها إلى عمله على رأس المؤسسة العسكرية.
تفتيش المنازل ورفض الجيش
خلال لقائها رئيس الجمهورية، نقلت أورتاغوس شكوى إسرائيلية من وجود أسلحة لحزب الله داخل منازل المدنيين في الجنوب، ثمّ تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية عن ضرورة أن يقوم الجيش بتفتيش المنازل وإدراج ذلك ضمن خطّته، وهذا ما يطرح السؤال: هل المطلوب إحداث شرخٍ بين الأهالي والجيش؟ فماذا لو فُرض عليه ذلك؟ العالمون بخفايا عمل المؤسسة العسكرية يجزمون أنّ قائد الجيش لا يمكن أن يوافق على دخول منازل الأهالي لتفتيشها، وهو عندما يجد ما يستوجب التدخّل سيفعله انطلاقًا من واجبه ومسؤولياته، لا تنفيذًا لمطلبٍ إسرائيليٍّ، وهو يعلم أنّ إسرائيل لن تكتفي بتفتيش المنازل؛ بل ستتوالى مطالبها في كلّ مرةٍ يرضخ فيها لبنان.
الميكانيزم وازدواجية المعايير
ليست أفضل حالًا وضعية الآلية التي تركّز على تطبيق اتفاقٍ من طرفٍ واحد، في حين يجب أن يكون اتفاقًا ملزمًا للطرفين. وعلى عكس اتهامات إسرائيل المتكرّرة، فإنّ الجيش – بالرغم من التشكيك والقدرات المادّية والعسكرية المتواضعة – يقوم بدوره على أكمل وجه، ولو أُعطيت الموافقة لبدأ بتنفيذ خطّته فور التوصّل إلى اتفاق وقف النار.
وبالرغم مما يواجهه الجيش من عدوانٍ مستمرّ، يُستبعد أن توعز الحكومة إليه بوقف تنفيذ الخطة أو أن تصدر موقفًا وطنيًا جامعًا لدعم المؤسسة العسكرية والتصدّي لمحاولات التشكيك بدورها، وهي التي أكّد قائدها أنّ جنوب الليطاني شارف على أن يكون منطقة منزوعة السلاح، وأنه لا تهريب للسلاح عبر الحدود مع سوريا، وأنّ تنفيذ الخطة شمال الليطاني يحتاج إلى تفاهمٍ وإجماعٍ وطنيّ.
قال رودولف هيكل أمام الحكومة مجتمعةً ما قاله ليُطلق جرس إنذارٍ من أجل جيشٍ بات يشكو من الإهانة جرّاء التشكيك بدوره، ويتعرّض عناصرُه للعدوان، ويُطلب منهم الصمت. وهل من أمرٍ أشدّ مرارةً من عدوانٍ مستمرٍّ وانتهاكٍ لاتفاقٍ يُنفَّذ من جانبٍ واحد؟