حزب الله ولبنان جديدان.. بتسوية داخلية تواكب تحولات المنطقة

يترقب لبنان مسار مفاوضات فيينا ونتائجها. فهي الحدث الوحيد القابل لإحداث تطورات في منطقة الشرق الأوسط. وفي استعادة بديهية بسيطة لتداعيات اتفاق العام 2015، يمكن الاستخلاص بسهولة أن إيران اكتسبت شرعية دولية لنفوذها في المنطقة، واستثمرته سياسيًا في العراق وسوريا ولبنان.

تبعات اتفاق 2015
لكن الجانبين المتفاوضين يرفضان حتى الآن البحث في كل ملفات المنطقة، أو في النفوذ الإيراني فيها. 7 سنوات مرت على ذلك الاتفاق، شهد فيها كلٌ من لبنان وسوريا والعراق متغيرات كثيرة.

منها ثورة تشرين العراقية، وصولًا إلى استمرار الاحتجاجات المتقابلة بين حلفاء إيران وخصومها هناك. ومنها ثورة تشرين في لبنان وانهياره الاقتصادي والمالي الكبير، وخسارة حزب الله الأكثرية النيابية. أما في سوريا فسبق التدخلُ الروسي فيها الاتفاقَ النووي، ولم تكن هناك حرب روسية على أوكرانيا، ولا كانت حرب اليمن قد بدأت.

من هنا لا بد من طرح سؤال أساسي ومركزي حول كيفية انعكاس أي اتفاق على لبنان اليوم، وعلى حزب الله أيضًا.

حزب الله خارج التفاهمات
هناك قراءتان متناقضتان لذلك: الأولى، تعتبر أن حزب الله سيستفيد كما استفاد في السابق. وسينعكس الاتفاق الجديد على ملف ترسيم الحدود، والحزب إياه هو من ربح جولتها الأولى التي لا بد من أن تكون لها تداعيات سياسية. أما وجهة النظر الثانية فتعتبر أن وقائع العام 2015 لا يمكن تكرارها حاليًا، لا سيما أن أي تسوية في لبنان لا بد من أن يشارك فيها الأميركيون والخليجيون، وخصوصًا المملكة العربية السعودية.

الأكيد أن وضع لبنان لم يعد يحتمل البقاء على هذه الحال: إما أن يذهب إلى البحث عن تفاهمات والتزام بشروط دولية، وإما استمراره في حال الغرق والانهيار. وفي كلا الحالتين لا يمكن حزب الله أن يكون مستفيدًا. لكن النقاش نفسه كان دائرًا أثناء التفاوض سنة 2015 وإبرام الاتفاق النووي، واستفاد حزب الله سياسيًا منذ ذلك الحين.

أما اليوم -وفي ظل رفض البحث في الملفات الإقليمية- فلن يتم البحث في ملفات حزب الله أو النفوذ الإيراني في المنطقة. وأي تفاهمات أميركية مع إيران، لن تشمل حزب الله. وهذا ما ينطبق على أي تفاهمات إقليمية بين إيران ودول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية. فالسعودية ترفض البحث في ملف حزب الله أو أن تشمله التسوية. ما يعني إبقاء ملف الحزب خاصًا، وغير خاضع لتفاهمات المنطقة.

اضطرار لتسوية داخلية 
يجد حزب الله أنه في حاجة إلى لجم قطار الانهيار في لبنان. وهذا منوط بقدرته على البحث عن تفاهمات خارجية مع القوى الإقليمية والدولية. وهنا لا بد من الإشارة إلى واقع العراق الذي يفرض وقائع سياسية جديدة، لا تبدو إيران قادرة على التعامل معها، لا سيما في ظل ارتفاع نبرة الخطاب المعارض لها في العراق. وهذا ما يحدث في لبنان، ولكن بوتيرة أقل وأضعف حتى الآن.

أما الوضع الإيراني في سوريا فمحكوم بجملة شروط وتطورات. وحتى لو أراد الإيرانيون تعويم الأسد، فلن يكون الأمر واردًا، فيما المنطقة تتجه نحو التسويات، ولا يمكن استخدام التصعيد.

تنعكس كل هذه الوقائع كلها على حزب الله، الذي لن يكون قادرًا على التصعيد، لا في لبنان ولا في سوريا. وهذا على خلاف ما حصل في العام 2016، حين نجح الحزب بفرض ما يريد، سياسيًا ورئاسيًا، على وقع زخم انتصار محوره في سوريا. وهو الانتصار الذي استثمره في لبنان، معطوفًا على وضع مالي واقتصادي لم يعد متوفرًا اليوم.

لذا يجد حزب الله أنه مضطر للبحث عن تسوية داخلية، ولكن مع القوى الخارجية، وهي لا تبدو متوفرة حاليًا. وفي حال حصل الاتفاق النووي، يضطر الحزب عينه إلى البحث عن آليات جديدة لممارساته داخل لبنان. وقد يجد أنه مجبر على تقديم تنازلات في المرحلة المقبلة. ولا شك في أنه يعمل على وضع تصور سياسي جديد: وثيقة سياسية، مثلًا، تواكب مقتضيات التطورات الجارية.

وكان أمين عام الحزب قد أعلن سابقًا عن استعداد للانخراط في لعبة الدولة أكثر، وتقديم اقتراحات مرتبطة بالأوضاع السياسية والمالية والاقتصادية. والشروط الدولية في هذا الخصوص، تفرض ما أصبح واضحًا ومعروفًا: إغلاق الحدود، وقف التهريب، وسوى ذلك من شروط صندوق النقد الدولي التي يعتبرها حزب الله وصاية على البلاد.