المصدر: المدن
الثلاثاء 9 كانون الاول 2025 11:31:48
شكّلت التسريبات المصوّرة لرئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، التي التُقطت خلال جولة للرئيس السوري السابق بشار الأسد في الغوطة الشرقية العام 2018، صدمة عميقة داخل بيئة "حزب الله" وجمهوره، لا سيما أولئك الذين اعتقدوا على مدى سنوات أن هذه البيئة قدّمت الدماء والتضحيات دفاعاً عن النظام السوري السابق، الذي شكّل خلال سنوات طويلة حليفاً أساسياً للحزب ضمن توازنات الإقليم.
فالصدمة لم تكن ناتجة فقط عن مضمون الكلام الذي بدا متعالياً ومُقلِّلاً من دور "حزب الله" في واحدة من أخطر مراحل الصراع السوري، بل عن أسلوب الخطاب ذاته، الذي عكس، في نظر كثيرين، استخفافاً واضحاً بحجم التضحيات، وتجاهلاً لحجم الخسائر البشرية والاجتماعية التي تكبّدتها بيئة الحزب في سياق المعارك دفاعاً عن هذا التحالف.
ما بعد الصدمة
أعادت هذه التسريبات فتح نقاش مؤجّل داخل بيئة الحزب، ودفعت شريحة واسعة من مناصريه وناشطيه إلى إعادة النظر في واحد من أكثر قراراته حساسية وتعقيداً: قرار الانخراط العسكري لحماية بقاء بشار الأسد حاكماً لسوريا، وبرز ذلك من خلال اتجاهات متعددة:
في الاتجاه الأول، سارع مناصرون للحزب إلى نفي صحة التسجيلات، معتبرين أنها مفبركة أو خضعت لتقنيات التزييف العميق باستخدام الذكاء الاصطناعي. ويعكس هذا الموقف حالة إنكار ناتجة عن صعوبة تقبّل فكرة أن يصدر خطاب يُفهم منه التقليل من التضحيات عن رأس السلطة التي دافع عنها الحزب لسنوات، رغم تأكيدات المتخصصين أن الفيديو صحيح.
ودافع هذا الاتجاه عن موقع الحزب وخياراته السابقة، معتبراً أن ما كُشف يندرج في إطار حرب إعلامية تستهدف تشويه دوره وشرعية قراراته، لا سيما في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة.
الفصل بين القرار والشخص
في المقابل، ظهر اتجاه ثانٍ لم ينكر صحة التسريبات، ولم يُخفِ ألمه من مضمونها، لكنه فصل بوضوح بين القرار الاستراتيجي للحزب وبين شخص الرئيس السوري السابق بشار الأسد وطبيعة الخطاب الصادر عنه وعن دائرته.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن قرار الانخراط العسكري لم يكن دفاعاً عن شخص بقدر ما ارتبط بحسابات أوسع، تتصل بمحور إقليمي وخط إمداد استراتيجي يرتبط بلبنان وفلسطين والصراع مع إسرائيل. وبحسب هذا المنطق، فإن المعركة كانت أوسع من الفرد، وكان بقاء النظام حينها عنصراً حاكماً في معادلات السلاح والدعم والعمق الجغرافي التي تحكمت بقرار الحزب في تلك المرحلة.
عمد أصحاب هذا الاتجاه إلى عطف النقاش على واقع "حزب الله" الحالي، لا سيما في مرحلة ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار، والذي لم يمكث بعده الأسد طويلاً في الحكم. وربط هؤلاء حالة التقييد التي يعيشها الحزب اليوم، وعدم قدرته على الرد على الاعتداءات كما في مراحل سابقة، بسقوط النظام السوري، معتبرين أن هذا السقوط شكّل أحد أهم أسباب تغيّر الواقع الميداني. ويرى هؤلاء أنه لولا هذا التحوّل، لكان المشهد مختلفاً، ولكانت معادلات الرد والاشتباك لا تزال قائمة على نحوٍ آخر.
غضب ومطالبة بالمراجعة
أما الاتجاه الثالث، والذي يُعدّ الأكثر تأثراً بما أظهرته التسريبات، فقد عبّر عن غضب واسع وتساؤلات عميقة حول جدوى القرار نفسه. ويرى هذا التيار أن التضحيات قُدّمت دفاعاً عن شخص ونظام لا يبدو أنهما، وفق ما عكسه الخطاب المسرَّب، على مستوى ما تحمّلته البيئة الحاضنة من أثمان بشرية ونفسية واجتماعية.
ويحمّل هذا الاتجاه قرار الانخراط في الحرب السورية، مسؤولية تداعيات عميقة داخل بيئة الحزب، حيث خلّفت سنوات الصراع آلاف الأرامل والأيتام والعائلات المفجوعة، إضافة إلى أكلاف سياسية ومعنوية ما زالت آثارها حاضرة.
أبعد من تسريب
تحوّلت هذه التسريبات إلى محطة مراجعة مفصلية في وعي مناصري "حزب الله"، بعدما كشفت أزمة ثقة مؤجَّلة داخل هذه البيئة. فقد أعادت إلى الواجهة أسئلة لطالما جرى تأجيلها تحت عناوين مثل "الضرورة الاستراتيجية" و"المعركة المصيرية"، لتفرض نفسها اليوم بقوة في ظل تغيّر الظروف وانكشاف طبيعة الخطاب الصادر عن الرئيس السوري السابق بشار الأسد ومحيطه.
الواقع أن تسريبات الغوطة أعادت فتح ملف العلاقة بين "حزب الله" وبشار الأسد على المستويين السياسي والشعبي، وكشفت حجم التباين داخل البيئة الحاضنة للحزب في قراءة تلك المرحلة. وبين من اختار الإنكار، ومن دافع عن القرار، ومن طالب بمراجعة شاملة، تبرز حقيقة واحدة: أن هذه الصدمة تركت أثراً عميقاً في الوعي الجمعي، وأن النقاش حول كلفة التضحيات والخيارات المصيرية سيبقى مفتوحاً، ما دامت تداعيات تلك المرحلة مستمرة ولم تُحسم أسئلتها بعد.