قوى الأمن بلا مازوت.. والسجون مُهددة

كتبت ملاك عقيل في اساس ميديا: 

قوى الأمن الداخلي من دون مازوت. الترجمة "على الأرض" لهذا الواقع كارثية. هذا يعني باختصار: "إطفاء" السّجون واحتمال هرب عدد كبير من السجناء أو حصول محاولات تمرّد يصعب السيطرة عليها، ناهيك عن تعطّل عمل كلّ القطعات الحيوية المرتبطة بعمل قوى الأمن، و"خربطة" وتيرة العمل في المديرية العامة لقوى الأمن وشعبة المعلومات، ما سيؤثر حتماً على جودَة العمل الأمني.

الفضيحة أن هذا الواقع بدأ يتراكم منذ أشهر طويلة حتى وصل إلى ما وصل إليه، والمعالجات بقيت "دون المستوى". كان يتمّ تقاذف كرة المسؤولية بين وزارة الطاقة (المديرية العامة لمنشآت النفط) ووزارة الداخلية ومديرية قوى الأمن الداخلي والجيش من دون الوصول حتى الآن إلى علاج ولو مؤقّتاً لهذه الأزمة.

فوق  كلّ ذلك، تمّ تسريب كلام عبر مصادر وزارة الداخلية لمحطة "الجديد" ينفي كلّ تبريرات وزارة الطاقة لعدم تزويد قوى الأمن بمادّة المازوت، مع تساؤلات: "وفق أيّ أجندة يتمّ تحميل وحدات قوى الأمن الداخلي أخطاء ارتكبتها المديرية العامة للمنشآت في وزارة الطاقة، ومن أوعز بها؟ وكيف يمكن لوزارة الطاقة المسؤولة عن تأمين المحروقات لقوى الأمن الداخلي بعد كلّ المبالغ الهائلة التي أُنفقت وسبّبت ما سبّبته من عجز الدولة، أن تَحرم السّجون أو المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أو شعبة المعلومات من المحروقات؟ وهل كان ذلك ليُتّخذ مع غير المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وهي المؤسّسة المعنيّة يوميّاً بأمن المواطنين، والتي تتحمّل مسؤولية السّجون على الرغم من التحدّيات والصعاب وعلى الرغم ممّا تتعرّض له من استهداف؟".

في بواطن كلام "الداخلية" و"المديرية" تلويح بوجود استهداف سياسي لهذا الجهاز الأمني. آخر الكلام الرسمي كان وعدٌ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بـ "حلّ المشكلة" اليوم الإثنين. إن حُلّت المشكلة فعلاً فلن يكون ذلك سوى إجراء موّقت لبضعة أيام ستطلّ بعدها الأزمة برأسها من جديد، كما كان يحصل في الأشهر الماضية.

لبّ الكارثة هي دولة الانحلال نفسها التي تبدع في "الترقيع" بدلاً من لجم تداعيات الكارثة المالية والاقتصادية عبر إيجاد حلول حاسمة ومتينة لها. وعندما يتعلّق الأمر بالعسكر يكون منسوب الخطورة مضاعفاً.

روايات متعدّدة

لأزمة المازوت في قوى الأمن أكثر من رواية. حتى الأرقام تتحوّل إلى وجهة نظر... ومن دون فواتير!

تقول وزارة الطاقة إنّ هناك كسراً ماليّاً على قوى الأمن الداخلي يُقدّر بنحو مئة مليار ليرة لم يتمّ سدادها، وقد لجأت أكثر من مرّة إلى الاستعانة بمخزون قيادة الجيش. آخر محطّات "المؤازرة" كانت في استدانة مديرية قوى الأمن 100 ألف ليتر من البنزين من الاحتياطي لدى الجيش قبل الانتخابات النيابية. ولو لم يتمّ ذلك لكانت العملية الانتخابية تعطّلت بالكامل.

لم تسفر الإجراءات التي تقوم بها وزارتا الطاقة والداخلية  مع رئاسة الحكومة ووزارة المال وقيادة الجيش عن حلّ بعد، مع الإقرار بصعوبة تأمين التمويل ما لم يتمّ دفع المبالغ المستحقّة على "المديرية".

من جانبها تشكّك مديرية قوى الأمن بوجود مبالغ مالية مكسورة عليها، "خصوصاً أن لا فواتير تُثبت ذلك أو وصلت إليها"، مع إقرارها بأنّ ثمّة أخطاء حسابية قد تكون مديرية منشآت النفط مسؤولة عنها، وتصل المديرية إلى حدّ الاتّهام بتنفيذ أجندة سياسية لكربجة عمل المديرية و"خَنقها"!

ويبدأ المسار القانوني لتسلّم المديرية مخزونها من المحروقات بحصولها على "الطلبية" من منشآت النفط، بموجب عقد بين الجانبين، ولاحقاً يتمّ إرسال الفواتير من "المنشآت" إلى مديرية قوى الأمن التي تحوّلها بدورها إلى وزارة المال لدفعها إلى مديرية منشآت النفط.

تفيد معلومات "أساس" بأنّ وزارة الطاقة أبلغت المديرية، عبر مديرة منشآت النفط أورور الفغالي، أنّها لن تستطيع تسليمها حاجاتها من المازوت، وستحاول تأمين ذلك من حصّة الجيش في منشأة الزهراني.

لكنّ الجيش، وفق المعلومات، لم يتجاوب مع الطلب مؤكّداً أنّ مخزونه في الزهراني "مدفوع ثمنه من قبل المؤسسة العسكرية ولا يملك إمكانية التصرّف به إلا لسدّ حاجات الجيش لأنّ الكمية غير كافية، والوضع قد يتجاوز الخط الأحمر لأنّ  مخزون الجيش من المحروقات ينفد تدريجاً والتواصل قائم مع المالية ومصرف لبنان لتأمين المال من احتياطي الموازنة". والجواب نفسه سمعه وزير الداخلية من قيادة الجيش حين راجعها في ذلك. 

في اليومين الماضيين، دبّرت مديرية قوى الأمن الحدّ الأدنى من حاجتها من المازوت من محطات مدنية كانت حفظت فيها بعض "الاحتياط" للأوقات الصعبة. ومع نفاد هذه الكمية وعدم تأمين وزارة المالية ما يلزم من مال لدفعه لمنشآت النفط وعدم تمكّن الجيش من المساندة، قد تدخل مديرية قوى الأمن نفق "العتمة" الكاملة ويتوقّف "سيستم" العمل فيها، وهو ما يهدّد بحصول أزمة غير مسبوقة ستكون لها تداعياتها المباشرة على الأمن وتلبية حاجات المواطنين البديهية.

كان لافتاً في سياق ردّ الداخلية على وزارة الطاقة التأكيد أنّ "المديرية العامة لقوى الأمن لم تطلب الاستعانة بمخزون الجيش، وهي غير مسؤولة عن أيّ تصرّف قامت به على هواها مديرة المنشآت، لأنّ الالتزام هو بين المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي ومنشآت النفط فقط"، مع العلم أنّ اتصالاً جرى بين قائد الجيش العماد جوزف عون واللواء عماد عثمان بخصوص هذا الأمر.

يقول مصدر أمني لـ "أساس": "هذا الجهاز الأمني هو الأكثر التصاقاً بحاجات الناس ومتطلّباتها الحيوية. إذا "تكربَج" سيكون لذلك تأثيرات مباشرة على المواطنين وعلى 30 ألف عسكري وعلى المخافر والسجون والمفارز القضائية وعمل شعبة المعلومات والمباحث الجنائية المركزية وعلى كامل القطعات... عندها قد نفقد السيطرة على منع حصول حالات هروب جماعية من السجون بما في ذلك سجن رومية المركزي".

أصل المشكلة

تفتح هذه الأزمة الباب على المشكلة الأمّ. فوضع قوى الأمن الداخلي هو الأسوأ مقارنة بباقي الأجهزة الأمنية، أي الجيش والأمن العام وأمن الدولة. هذه المؤسسات الأمنية والعسكرية لا يزال عناصرها يستفيدون من الطبابة وقسائم البنزين من المحطات المدنية ومن مخصّصات ماليّة.

كان آخر التقديمات تسلُّم قيادة الجيش في 12 آب الدفعة الأولى من الهِبة المالية القطرية البالغة 60 مليون دولار وتوزيعها بالتساوي بين العسكريين (ضباطاً وأفراداً) بمعدل مئة دولار على مدى ثمانية أشهر، مع "قبة باط" في السماح للعسكر بمزاولة عمل آخر، كما يعمد العديد من الضباط في الجيش إلى بيع بونات البنزين التي يساوي ثمنها أضعاف أضعاف رواتبهم!

دفع تأمين الطبابة في الجيش بنسبة 100% العديد من الهاربين من الخدمة إلى تقديم طلبات استرحام، مع العلم أنّ الجيش، وفق مصدر نيابي، لم يلتزم تماماً في الفترة الماضية بقرار عدم التطويع ووجد فتوى قانونية بالتنسيق مع وزير الدفاع تسمح بالتطويع  من داخل السلك.

أمّا في قوى الأمن الداخلي فالوضع تقريباً شبه كارثي. فتأمين الطبابة (الذي كان غير متوافر بالكامل) محصور منذ أشهر قليلة بصندوق مالي خاصّ (تبرّعات) لا يستطيع تأمين احتياجات ما يوازي 150 ألف فرد (العسكريين مع عائلاتهم والمتقاعدين)، وتحكمه الأفضليات وسلسلة "شروط"، إضافة إلى "المراجعات" على مستوى عالٍ للاستفادة منه. وتتولّى  الشعبة الإدارية في قوى الأمن تنظيم عملية دفع الفواتير بإشراف مباشر من المدير العام.

لا يستطيع ضبّاط المديرية حالياً الاستفادة من البنزين إلا بقسائم تُقدّم في المحطات العسكرية فقط وبشكل محدود، مع سعي من المدير العام اللواء عثمان إلى افتتاح محطات عسكرية في الشمال والبقاع.

ضمن هذا السياق قام عثمان بوضع تقنية Barcode لاستحصال الضباط على البنزين من المحطات العسكرية منعاً لبيع القسائم، وحَصَر صلاحية الاستفادة منها بشهرين فقط، الأمر الذي اعتبره البعض مزيداً من التضييق وخنقاً للعسكر.