لا تحديد ولا ترسيم: اللعبة مستمرة!

كتب رامي الريس في موقع الأنباء:

السنوات العشر التي أمضاها لبنان في التفاوض على إتفاق إطار في ما يخص ترسيم الحدود البحريّة وتحديد المنطقة الإقتصاديّة الخالصة أهدرت في أقل من سنة، وصارت الثروات النفطيّة اللبنانيّة المفترضة في مهب الريح، علماً أنها قد تكون حبل النجاة الوحيد من المآزق الإقتصاديّة والإجتماعيّة التي تتوالد يوميّاً في بلد أصبح العيش فيه بمثابة التحدي الوجودي والإنساني.

مقاربة ملف وطني بحجم الثروة البحريّة النفطيّة تتم من زاوية محاربة طواحين الهواء. رئيس الجمهوريّة يفاخر وفريقه يوميّاً بأنه "إستعاد" هذا الملف لأنه في صميم صلاحياته الدستوريّة أي التفاوض على المعاهدات الدوليّة. ما هذه العقدة المتصلة بالصلاحيّات والتي تعود لتطل برأسها بين الحين والآخر؟ من يصادر صلاحيّات من؟ أما آن الأوان للخروج من هذه العقدة التي دمرّت البلاد والإقتصاد والمجتمع من مختلف النواحي؟

حسناً، ولكن لماذا تحطيم كل الأسس التي وُضعت سابقاً وشكلت أرضيّة متينة لحقوق لبنان وثرواته؟ لماذا "إبتداع" الخط 29 بعد أن كانت كل الدراسات والمواقف تصب في الخط 23؟

أيجوز ربط قضيّة وطنيّة على هذا المستوى من الأهميّة الاستراتيجيّة والتاريخيّة بمصالح فريق العهد ورموزه، وبسعيهم الحثيث الى إجراء مقايضة ما على رفع العقوبات عن الصهر؟ أهكذا يدير "رجال الدولة" ملفات ذات مفاعيل كبرى ستترك آثارها لأجيالٍ إلى الأمام؟

يبدو أننا أمام خرائط شبعا جديدة. الخط 29 هو مثل تلك الخرائط التي إخترعها أحدهم في العام 2000 بعد الانسحاب الإسرائيلي لتمكين حزب الممانعة من الاحتفاظ بسلاحه ولتفريغ أي حوار جدي حول الاستراتيجيّة الدفاعيّة من مضمونه بما يتيح بقاء فصيل مسلح لا يتوانى عن إتخاذ القرارات التي تتلاءم مع مصلحته من دون تردد حتى ولو كانت على طرفي نقيض مع المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة (حرب تموّز 2006 مثالاً).

الحوار الوطني الذي أطلقه الرئيس نبيه بري في آذار 2006 خلص في أحد بنوده، وبإجماع المتحاورين، إلى "تحديد" الحدود اللبنانيّة - السوريّة. والتحديد هو المصطلح الذي إقترحه الأمين العام لـ "حزب الله" بدلاً من الترسيم، كي لا "يُحرَج" حليفه الرئيس السوري بشار الأسد. طبعاً، الترسيم لم يحصل، والإعتراف بلبنانيّة مزارع شبعا لم يحصل بدوره.

ما يجري اليوم لا يختلف كثيراً. ثمّة محاولة منهجيّة لإفشال المفاوضات البحريّة وترسيم الحدود بما يحفظ حقوق لبنان ويتيح دخوله إلى نادي الدول النفطيّة ويسمح بأن يخرج تدريجيّاً من أزماته الإقتصاديّة والمعيشيّة الخانقة.

حتى العمداء الذين يتصدّرون الشاشات تبدو تجاربهم البائسة وكأنها بمثابة تكرار ممل سيفضي مرة أخرى إلى نتائج سلبيّة. ولكن، لبنان في العام 2022 ليس لبنان في العام 2006. الانهيار الكبير حصل، وإستخراج الثروات النفطيّة لا يحتمل التلاعب الصبياني الرخيص.