من "مرّقلي تمرّقلك" إلى "قلّي تقلّك"!

عندما دقّ التمديد باب مجلس النواب منذ حوالى الشهر، استخدم رئيس الجمهورية ميشال عون صلاحياته بتطبيق المادة 59 من الدستور لأوّل مرة في تاريخ الجمهورية اللبنانية، والتي تعطيه الحق بتأجيل انعقاد المجلس الى أمد لا يتجاوز شهراً واحداً.

استبشر اللبنانيون خيراً خصوصاً أن رئيس الجمهورية كان قد رفع راية اللاءات الثلاث: لا للفراغ، لا للتمديد ولا للستين، كما أنه قطع وعداً على نفسه وعلى اللبنانيين في خطاب القسم، بإقرار قانون إنتخابي جديد مع إنطلاقة العهد الجديد.

توقّع اللبنانيون إعلان حال الطوارئ السياسية، تأهّب الأطراف السياسية، تضافر جهود اللجان النيابية، عقد جلسات مفتوحة لمجلس الوزراء، العمل ليل نهار واستغلال كل دقيقة  من المهلة الممنوحة من رئيس الجمهورية من أجل إقرار قانون جديد للإنتخابات يعيد للشعب اللبناني حقه المسلوب في محاسبة مسؤوليه وانتخاب مجلس نيابي يمثله فعلا وبالتالي اعادة الشرعية الى مصدر الشرعية.

إلا أن ما حصل لم يكن في الحسبان: بعد حوالى الثلاثة أسابيع من الرخاء والإستهتار، التأم مجلس الوزراء وعلى رأس جدول أعماله قانون الإنتخابات، ليخرج الوزراء كما دخلوا، من دون أي نتيجة ومن دون حتى بحث في ملف قانون الإنتخابات، إنما أحالوه الى اللجنة الوزارية المختصة، التي لم تجتمع إلا مرة واحدة وطبعاً كان اجتماعها "حركة بلا بركة"!

عقدت اللجنة الوزارية المولجة وضع قانون انتخابي جديد اجتماعها الثاني، بعد 4 أسابيع من تأجيل رئيس الجمهورية جلسة التمديد، ليخرج وزير المال علي حسن خليل معلناً أن "ما جرى داخل اللجنة، عرض عام ولم تُطرح أية صيغ لقوانين محددة". فلنتذكر سوياً ما هي مهمّة اللجنة الأساسية: وضع قانون انتخابي جديد! وهذا كان "وجه الضيف"، أحد لم يسمع بهذه اللجنة بعدها.

فقد أصبح سياسيو لبنان محترفين في هدر الوقت وتمييع النقاشات وإضاعة المهل من أجل إطالة أمد تشبثهم بالسلطة، بعد أن تمرّسوا على مدى سنين في تأخير ملفات حياتية خدمةً لمصالحهم الضيقة.

وعقد مجلس الوزراء جلسةً الأسبوع الماضي على جدول أعمالها 114 بندا، غاب عنها بند قانون الإنتخابات وكأن لا حاجة للبحث فيه، وخرجت فضيحة إقرار 40 بند سفرٍ من أصل 114، وكأنّ الأمور تسير بشكل طبيعي وكل شيء على ما يرام.

آخر فصول البحث عن قانون الإنتخابات، العودة الى الإجتماعات الرباعية في الغرف المغلقة والصالونات خارج المؤسسات الرسمية، بعد أن سادت ثقافة انتهاك الأصول الدستورية وأصبحت هذه الإجتماعات المصغّرة "موضة" للتفاهمات الجانبية، شرط أن تؤمّن "الميثاقية" ولو أنها لا تمثّل جميع الأطراف. فمن سمح لهؤلاء الأربعة تقرير مصير الشعب اللبناني؟ ومن قال إنه إذا اتفق هؤلاء يعني أن التوافق الوطني قد تمّ وقانون الإنتخابات قد أقرّ؟

منذ ولادتها، انشغلت "حكومة الإنتخابات" (الإسم الذي أطلقته على نفسها) بإبرام صفقات مشبوهة بدءاً من مراسيم النفط والغاز وصولا الى ملف الكهرباء، ولم تُحِل أي مشروع قانون إلى مجلس النواب. فلم تعد حكومة "مرّقلي تمرّقلك" فحسب، بل تحوّلت الى سلطة "قلّي تقلّك": كلام في الكواليس مغاير للحقيقة، نوايا مخفية وجلسات فارغة من دون أي تطوّر جدّيّ.

هذا ما حصل خلال مهلة الشهر: تخبّط وإرتباك وأداء سياسي لم نعتد على أفضل منه. السلطة السياسية اليوم مطالبة بالعودة إلى الدستور اللبناني وإحترام آلية إقرار قانون الإنتخابات عبر التوجّه فوراً الى التصويت على مشاريع القوانين في الهيئة العامّة، إحتراماً لما تبقّى من ديمقراطية في وطن الحريات الضائعة والشعارات الرنّانة.