أسعار الكاكاو ترتفع: الفقراء سيُحرمون من "لوح الشوكولا"

يُنظَر للشوكولا كمادة للتحلية، لكن وصوله إلى هذه المرحلة يمرّ بطريق طويل يرتبط في أصله بالتجارة، ويتّصل في حاضره بالبورصة العالمية. فأصل منتجات الشوكولا هو الكاكاو الذي تحتدم عليه المنافسة بين الشركات التي تستثمر محاصيله وتشتريها من المزارعين، وتنشرها في أنحاء العالم كمادة رئيسية لصناعة الشوكولا والحلويات.

ومنذ نحو شهر، يشهد سوق الكاكاو ارتفاعاً في الأسعار بفعل نقص توريد المحصول من ساحل العاج وغينيا، وهما الدولتان الأبرز في تصدير الكاكاو في العالم. فقد تضرّر الإنتاج بسبب الأمطار الغزيرة التي غمرت حقول الكاكاو في الدولتين، وارتفعت أسعار عقود التسليم المؤجّلة لأكثر من 2 بالمئة. وامتدّت آثار تراجع التصدير إلى لبنان كما دول العالم. فارتفعت أسعار منتجات الشوكولا بنسب متفاوتة.

الشركات اللبنانية مربكة
في سوق يعاني من أزمة اقتصادية وازدياد معدلات الفقر وانحدار مستوى استهلاك الأسر، سجّلت مؤسسات إنتاج الشوكولا "ارتفاعاً في أسعار الكاكاو وزبدة الكاكاو وبودرة الكاكاو بنحو 30 بالمئة، ما انعكس حكماً على أسعار منتجات الشوكولا"، وفق ما قاله عبدو شمعون، أحد أصحاب شركة كارلا للشوكولا والحلويات.

التأثّر بدا واضحاً من خلال "المفاجأة التي شهدتها الشركات اللبنانية في ارتفاع السعر عالمياً". وحسب ما أشار إليه شمعون في حديث لـ"المدن"، فإن الشركات "تتناقل أخبار ارتفاع الأسعار وتحاول تحديد هامش رفعها لأسعار منتجاتها". ويُربِك تقلّب أسعار الكاكاو المؤسسات، إذ "تارة يسجّل سعر الكيلو 6 دولارات، ثم يرتفع إلى نحو 10 دولارات ويعود لينخفض. لكن معدّل الأسعار اليوم بين 7 و8 دولارات". وإذا بقيَ وضع التصدير على حاله "من الممكن أن يرتفع السعر أكثر، لأن أسعار الكاكاو تتحرّك مثل البورصة".

شوكولا أم نكهة الشوكولا؟
ما يُسمّى اصطلاحاً بين الناس بـ"الشوكولا"، ينطوي في الحقيقة على اختلاف كبير تبعاً لمعدّل الكاكاو فيه. وهنا، تحيلنا الأمم المتحدة إلى "الدستور الغذائي للشوكولا ومنتجاتها" والذي وضعته منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (الفاو) في العام 1981. وفي هذا الدستور لا يُعتَبَر شوكولا كل منتج لا يحتوي على "جوامد الكاكاو بنسبة لا تقل عن 35 بالمئة، وما لا يقل عن 18 بالمئة من زبدة الكاكاو، وما لا يقل عن 14 بالمئة من جوامد الكاكاو الخالية من الدهون". وتختلف التسميات مع انحدار معدّل الكاكاو في المنتَج وزيادة معدّل المنتجات الأخرى والمواد المضافة، مثل النشاء والسكَّر والحليب والزيوت النباتية وغيرها، وصولاً إلى عدم اعتبار المنتج شوكولا، بل وضعه في خانة الحلويات والسكاكر.

وحسب شمعون، "بالنسبة للمستهلك، فإن كل ما يحتوي على الكاكاو يسمى شوكولا، لكن الشركات تعلم الفرق". وللتمييز، هناك دلالات معتمدة بين الشركات اللبنانية لتوصيف المنتجات، فيسمّى شوكولا كل منتج يلتزم بالتصنيف الدولي "وتسميه الشركات بالشوكولا البارد لأنه يُصَبّ في المعامل على حرارة باردة، وهذا الشوكولا ذو النوعية الجيدة لأنه يحتوي على زبدة الكاكاو. أما الشوكولا الساخن، فيُستَعمل فيه بشكل أساسي بديل زبدة الكاكاو، ويُسمّى بنكهة الشوكولا، وهي تسمية معتمدة أيضاً في الدول العربية، ومن الغِش تسمية هذا المنتج بالشوكولا". ويلفت شمعون النظر إلى أن "بعض الدول الأوروبية تسمح باستعمال بديل زبدة الكاكاو بمعدّلات معيّنة لا تزيد عن 5 بالمئة، وتُبقى على المنتج في خانة الشوكولا، مثل ألمانيا وفرنسا. أما سويسرا، فلا تسمح بذلك أبداً ولا تسمي المنتج شوكولا".

الفقراء محرومون الشوكولا
هذه المعايير "تجعل المنتجات التي لا تحتوي على الكثير من الكاكاو، عرضة للتأثّر بارتفاع الأسعار أكثر من غيرها"، لأن أي تغيير في سعر الكاكاو ورفع سعر المنتج سيغيِّر حجم الطلب عليها من قِبَل المستهلكين، والذين يكونون عادة من فئات اجتماعية فقيرة. وبالتالي، فإن الفقراء محرومون من الكاكاو أو الشوكولا الحقيقي. أما ذوي القدرة المادية المتوسطة والمرتفعة فلا يتأثّرون لأن "هامش الربح في منتجات الشوكولا الحقيقي مرتفع كثيراً في لبنان، ولا حاجة لرفعه بمعدّل أعلى. فالمحال التي تبيع كيلو الشوكولا بنحو 25 دولاراً، وتستورده في الأصل بنحو 12 دولاراً، فقد تزيد عليه دولاراً أو اثنين، ولن يشكِّل ذلك فارقاً بالنسبة للمستهلك الذي يدفع في الأصل مبلغاً مرتفعاً".

الفارق الملحوظ يظهر في منتجات الشوكولا الساخنة، والتي تحتوي على نسب أقل من الكاكاو وأكثر من السكَّر والمواد المضافة الأخرى. "والتغيُّر في أسعار هذه المنتجات بمعدّل دولار أو دولارين، يعني تكبيد الفقراء مبلغاً كبيراً مقارنة مع حجم مداخيلهم. وعليه، فإن زيادة سعر المنتج بنحو 100 أو 200 ألف ليرة، يعني تحويل الاستهلاك نحو منتج آخر أرخص، أي أقل جودة"، ما يعني احتواءه على مواد غير مضمونة صحياً.
تلاحق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية اللبنانيين حتى إلى "لوح الشوكولا"، وهو الذي يشكّل متنفّساً للتحلية والتسلية لدى الصغار والكبار على حدٍّ سواء. لكن انعدام القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين، تتّجه بهم نحو منتجات لا تُصَنَّف عالمياً بـ"الشوكولا".