بين رئاسة البرلمان والميليشيا: دعوة بري "للحوار" تعطيل جديد وصفعة ديبلوماسية للبنان

دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي مُجدداً إلى حوارٍ في البرلمان للتوافق على رئيس عوضاً عن انتخابه بجلساتٍ طبيعيةٍ، وللظهور بصورة الحريص على الدستور والبلد، لفت إلى أنه لا يمانع أن يترأس نائب رئيس المجلس الياس بوصعب جلسات الحوار التي تحدث عنها. وجدد برّي هذه الدعوة بعد لقاء سفراء "الخماسية" الأسبوع الفائت والذي أعاد الحياة إلى ملف الرئاسة. لكن هذه الخطوة التي يعتبرها البعض خطوة ذكية من "الاستاذ" ليست إلا تعطيلاً جديداً للدستور والإستحقاق الأهم في الجمهورية اللبنانية، كونه يسعى لاستبدال الديمقراطية بـ "توافق" هجين وظرفي، ويبعد الشبهات عن المُعطّل الحقيقي، وهو فريقه.

ومؤخراً كان قد أعلن برّي انخراط "حركة أمل" في عمليات الجنوب، ضارباً عرض الحائط أمرين مهمّين على الصعيد اللبناني انطلاقاً من موقعه كرئيسٍ لمجلس النواب، أولاً بضرب الشراكة الوطنية من خلال مصادرة قرار السلم والحرب وإظهار عدم ثقة بقدرات الجيش اللبناني، وثانياً إنهاء فرص لبنان بتحصيل أي إيجابيات من التسوية المُقبلة على المنطقة كونه المفاوض اليوم بصفته رئيس السلطة التشريعية ولو بالأمر الواقع.

المعارضة تنازلت لملء الشغور و"الممانعة" لا تمانع الفراغ

كانت قد رشحت المعارضة بأغلبية أطرافها النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية على مدى 11 جلسة بين تشرين الأول من العام 2022 وصولاً إلى الجلسة التي عُقدت في كانون الثاني 2023، لكن مع عدم القدرة على جمع العدد الأكبر من الأصوات لمعوّض، حصل التقاطع مع التيار الوطني الحرّ على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور كمرشحٍ وسطي، في محاولةٍ لملاقاة الفريق الآخر إلى منتصف الطريق وإعادة الإنتظام إلى المؤسسات، لكن سرعان ما شرع فريق 8 آذار بتعطيل الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية على شكلٍ عام، وتعطيل برّي للإستحقاق عبر عدم الدعوة لجلسات انتخاب كما ينص الدستور، لا بل نصّب نفسه رئيساً للجمهورية بحكم الأمر الواقع.

وسبق هذا التعطيل قولٌ لبرّي مفاده أن مشكلة انتخاب الرئيس تكمن في خلاف المسيحيين مع بعضهم البعض، لكن التوافق حول أزعور دحض كلام برّي، لكنه سرعان ما وصف التوافق بالهجين وغير الجدي، الأمر الذي أكّد المؤكّد، أي أنه وفريقه لا يريدون انتخاب رئيس قبيل التسوية لسلب الشرعية والمفاوضة باسمها نيابةً عن اللبنانيين وغصباً عنهم.

ويشهد الملف الرئاسي اليوم كما الملف الأمني تعنّت فريق الممانعة وتمسّكه بورقة سليمان فرنجية كمرشحٍ "يحمي ظهر المقاومة"، لأن هذا "العناد" لا يعكس جدّية أو ضرورة لانتخابه رئيساً في الوقت الحاضر، لأن مصلحة فريق السلاح لا تقتضي بوجود رئيس في الفترة الحالية، كون المُكتسبات المُمكن تحصيلها من التسوية قد تكون أكبر من ما يمكن أخذه من الشرعية في الجمهورية اللبنانية، وعلى سبيل المثال الدفع نحو مؤتمر تأسيسي قد يرتكز على المثالثة وتثبيتها دستوراً.

وفي السياق، يستخدم هذا الفريق كل الأدوات المتاحة أمامه لتخوين كل معارضيه وإبعادهم عن المنابر والمناصب، واتهامهم زوراً بالعمالة لدولةٍ عدوة للبنان ليبقى هو الأبرز والممسك بزمام الأمور، وليعقد هو الصفقات أهمها التي يفاوض عليها اليوم على حساب الشعب اللبناني بذريعة مساندة أهل غزة، وآخرها صفقة ترسيم الحدود البحرية التي لم تُجدِ أي نفعٍ سياسي على صعيد السلطة.

تحريك برّي لميليشيا أمل يضرّ بموقف لبنان التفاوضي ويجرّه نحو الحرب

جاء إعلان رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حركة أمل عن دخول الميليشيا التابعة له مستنقع العمليات جنوباً، على هيئة توريط لبنان الرسمي بشكلٍ عام بأتون الحرب، فبرّي يفاوض اسرائيل عبر الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، عرّاب صفقة ترسيم الحدود البحرية، من أجل وقف التصعيد، ويلتقي مع وزراء خارجية الدول الكبرى وسفراء اللجنة الخماسية وفقاً لموقعه في الدولة حيث تسعى الدول الصديقة إلى إحداثِ خرقٍ في جدار أزمة الرئاسة، وهكذا خطوة تعكس رفض "الشرعية" لشرعيةٍ دولية، وتؤكّد أن الدولة أو ما تبقّى منها تنفّذ أجندة الدويلة.

إضافةً إلى ذلك، تنصّ المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي على وقف التصعيد أولاً وإعادة الإستقرار إلى الحدود الجنوبية وتطبيق كامل وشامل للقرار 1701، وثانياً على إيجادِ حلٍّ مستدام لملف ترسيم الحدود البرّية. وهكذا مفاوضات ذات وزنٍ كبير تتطلّب الكثير من الوعي و"الأكثر" من الشرعية والوقوف خلف المؤسسات الرسمية، أي الوقوف وراء الجيش اللبناني وإعطاؤه كامل الثقة وكل الدعم للدفاع عن لبنان وتأمين حدوده بمؤازرة قوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب، وبالتالي إقحامِ فصيلٍ مسلّح جديد على مسرح "قواعد الإشتباك" جنوباً لا يثبّت نظرية "الردع" بل يردعها ويورّط لبنان الرسمي بحربِ الفصائل على أرضه، ولا يعطيه موقع قوّة بل يعرّضه للدمار من خلال خلق المزيد من الذرائع لعمليات اسرائيل المعادية ضد سيادة لبنان.

 

إذاً، الدعوة إلى "حوار الطرشان" لن تُنتج ديمقراطيةً ولا رئيساً فعلياً للبلاد، بل ستعطي غطاءً داخلياً لعملية انتخاب رئيسٍ ممانع مجدداً، وبظلّ إدراك المعارضة لهذا الأمر وتوحّدها حول مواجهة هيمنة السلاح على قرار الدولة، تبقى دعوة برّي تعطيلاً جديداً للإستحقاق الرئاسي، فعوضاً عن مواصلة الحياة التشريعية بكشلٍ مخالفٍ للدستور وكأن شيئاً لم يكن، على رئيس البرلمان الدعوة إلى جلساتٍ متتالية لانتخاب رئيسٍ للجمهورية من دون لفٍّ ودوران.. فلبنان الحقيقي بات أقرب من طلاق لبنان "المستورد"، منعاً للإستغلال والدمار.