جنوب لبنان ينافس جبهة غزة في أشرس تصعيدٍ على المقلبين

تَقاطَعَتْ أوجهُ شبهٍ عسكرية وديبلوماسية في الساعات الماضية، بدا معها جنوب لبنان وكأنه يقترب أكثر فأكثر ليكون نَسخةً عن غزة في المواجهات المشتعلة وإن مع ضوابط تتلاشى تباعاً، في موازاة استحضارٍ لوقائع رافَقَتْ انتهاء حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل (بدأت في 12 يوليو وأوقفها القرار 1701) ويَجْري «إسقاطُها» على ما يشوب مفاوضاتِ "الفرصة الأخيرة" لإرساء هدنة في القطاع الذي يوشك نَفَسه على... الانقطاع.

وتدافعتْ التطوراتُ النوعية على جبهة الجنوب التي شهدتْ أمس أوسع تصعيدٍ على الإطلاق منذ بدء حرب المشاغَلة قبل 7 أشهر «بالتمام والكمال»، غاراتٍ إسرائيليةً هي الأكثف على عشرات الأهداف وقَصْفاً لكامل قرى الشريط الحدودي «بلدة بلدة»، وعمليات معقّدة ومركَّبة من «حزب الله» ضدّ قواعد وتجمّعات عسكرية أوقعت قتلى وجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي ولم توفّر مبانٍ صارتْ أهدافاً مباحة وفق معادلة «الحجر بالحجر» الموصولة بـ «التوسعة بالتوسعة».

غالانت

وترافقَ انفلاشُ المواجهاتِ مع تحذيرِ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من على الحدود مع لبنان من أن «العمليات في الجبهة الشمالية لم تكتمل»، لافتاً إلى أن الصيف «قد يكون ساخناً ومستعدّون لِما هو قادم في جنوب لبنان وجاهزون لكل السيناريوهات»، ما عزّز القلق في بيروت من أن تل أبيب، ربما باتت أقرب إلى تبديل «قواعد اللعبة» التي قامت على مقارعة «حزب الله» في حربٍ محدودة ومع تحديدٍ جغرافي لـ «ملعب النار» وتحييدٍ لأهداف عدة مدنية أو من بنى تحتية، وهو ما يُخشى أن يكون استنفذ وقْعَه النفسي والمادي بحيث لم يَعُد يترك أي أثَر عسكري على الحزب الذي يردّ «الصاع صاعين» ونجح عبر ميزان الردع الحالي في حصْر المواجهاتِ في مناطق بيئته وكأن المعركة تدور «على أرض» خارج لبنان.

"الهدف التالي"

وما عمّق المخاوفَ من أن يكون المسارُ الديبلوماسي الرامي إلى إرساء اتفاق إطار لـ «اليوم التالي» لبنانياً بعد حرب غزة صار محكوماً بالعبور أولاً بجعْلِ "حزب الله" «الهدف التالي» بالمعنى العسكري، أنّ التفاوضَ المستمرّ لاستيلاد هدنةٍ في غزة من فم ما تُصَوِّره إسرائيل على أنه «عملية جِراحية موضعية» حتى الساعة في رفح يصطدم بتعقيداتٍ ليس أقلها إصرار تل أبيب على رفْض أي تهدئة يكون آخِرها إنهاءُ الحرب ورسْمها معادلة «إما اجتثاث الحركة من السلطة وإما تجثو غزة حتى آخِر طلقة».

توحش تل أبيب

وفي حين لاحظتْ أوساطٌ سياسية أن سلوك «حماس» بإزاء توحُّش تل أبيب وعدم قلْب الحركة الطاولة على قاعدة وقْف أي كلام حول الهدنة تحت ضغط النار التي أشعل نتنياهو أول فتيلها بدخول معبر رفح، يعكس حراجة الوضع على مستوى حماس كما مجمل قطاع غزة، استحضرتْ دوائر مراقبة الوضعية التي سادت جبهة «حزب الله» في الأيام الثلاثة الأخيرة من حرب الـ 33 يوماً في 2006 والتي سبق أن وصّفها رئيس حكومة القرار 1701 فؤاد السنيورة في حديث إلى «الراي» حين كَشَفَ عن أنه «كنتُ أمام تحدّي الحفاظ على وحدة البلاد والتوصل إلى القرار قبل انهيار جبهة حزب الله».

هروب نتنياهو

وهذا الواقع المسدود حتى الساعة على مستوى مفاوضات الهدنة في غزة بسبب هروب نتنياهو إلى الأمام وما قد يستتبعه على جبهة لبنان، يفسّر ما بدا «هجوماً دفاعياً» تصاعُدياً مكتمل المواصفات من «حزب الله» الذي نوّع في استهدافاته وأسلحته النوعية وصولاً إلى قصفه بـ «البركان» قاعدة برانيت في الجليل الغربي بعيد مغادرة غالانت، في مقابل أعمال حربية شرسة نفّذتها إسرائيل وبما رسّم للمرة الأولى جبهة فعلية وكأنها تضاهي جبهة غزة في حماوتها وعنفها وحصيلتها الدموية على المقلبين.