جهود احتواء قتل سليمان تُسابق طبول الحرب

بقطع النظر عن الأسباب أو الدوافع أو الخلفيّات التي تقف وراء عمليّة قتل منسّق حزب "القوّات اللبنانيّة" في جبيل باسكال سليمان، فإنّ النتائج التي خلصت إليها وردود الفعل التي رافقتها، ولا سيّما الردّ الأوّليّ الصادر عن الأمين العام لـ"حزب الله"، والذي اتّهم حزبَي "الكتائب" و"القوّات" بالعمل على الفتنة، كانت كافية لتعبّر عن حجم الهواجس القائمة لدى شريحة كبيرة من المسيحيّين، وهي هواجس موجودة بالنسبة عينها لدى أكثرية صامتة في الشارعَين السنّيّ والدرزيّ، حيال المستقبل القاتم للدولة، والعيش المشترك، في ظلّ الاحتقان السياسيّ والطائفيّ الذي تجلّى بأبشع صوره، كاشفاً هشاشة الكلام عن الشراكة الوطنيّة، فضلاً عن هشاشة الاستقرار الأمنيّ والسياسيّ في البلاد.

أيّاً تكن الرواية التي سينتهي إليها التحقيق في مقتل سليمان، فهو لن يكون كافياً لتغطية العورات الخطيرة التي تكشّفت حيال حجم الانفلات الأمنيّ. وقد يكون من الأفضل للسلطة تبنّي الاغتيال السياسيّ من اللجوء إلى سيناريو السرقة، الذي يضع سلامة اللبنانيّين وأمنهم في الخطر، خصوصاً وأنّ عمليّة سليمان ترافقت مع عمليّات مماثلة أدّت إلى وقوع ضحايا.

أمّا أن يكون الاغتيال سياسيّاً، كما تراه "القوّات اللبنانيّة"، فهذا يطرح أكثر من علامة استفهام حول السيناريو الذي يرمي إليه منفّذو العمليّة، في ظلّ ما يتردّد في الكواليس السياسيّة عن أنّ الهدف إشعال الساحة الداخليّة لحرف الأنظار عن الساحة الجنوبيّة، وما يمكن أن تحمله التسوية المقبلة من تنازلات يدفع ثمنها الحزب.

وفي انتظار أن تتكشّف حقيقة العمليّة، بدا واضحاً من الاحتضان السياسيّ والشعبيّ لعائلة سليمان، ومنه لحزب "القوّات"، وقد تُرجِم في تدفّق الشخصيّات السياسيّة والروحيّة لتقديم التعازي، فضلاً عن صدور مواقف من جهات مختلفة تدين العمليّة، فإنّ هذه العمليّة أعادت إلى الضوء الحاجة الملحّة إلى مقاربة جدّية ومسؤولة لملفَّيْن خطيرَيْن يتطلّبان المعالجة الفوريّة، ويسيران بالتوازي من حيث الأهميّة والخطورة: ملفّ النازحين السوريّين، والوضع الأمنيّ.

فتقدّم أولويّة الوضع الأمنيّ في الجنوب، تحت وطأة التهديدات المتنامية بتوسّع الحرب إلى العمق اللبنانيّ، تراجع الاهتمام بملفّ النازحين السوريّين، وضرورة تنظيم وجودهم، حتّى تأمين عودتهم إلى بلادهم. ذلك أنّ الوجود السوريّ الذي بات يقارب 40 في المئة من الشعب اللبنانيّ، وهو إلى ازدياد، يفتقد أيّ تنظيم، بحيث لا يخضع السوريّون لأيّ قوانين أو رخص على غرار المقيمين على الأراضي اللبنانيّة من غير اللبنانيّين، مستفيدين من صفة اللجوء والنزوح.

من هنا، يمكن فهم كلام وزير الداخليّة والمغتربين بسّام مولوي أمس عن "أنّنا لا نحرّض على اللاجئين، ولكن ندعو لتطبيق القانون على كلّ المقيمين على الأراضي اللبنانيّة بطريقة شرعيّة".

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحالة، هل ستتحرّك الدولة لإعادة النازحين، أو على الأقلّ ضبط وجودهم وتنظيمه، أو ستترك هذه الورقة متفلّتة من كلّ الضوابط بحيث لا يمكن التكهّن بالوقت أو الجهة التي ستسحب صاعقها لتنفجر في وجه الجميع. وقد بدأت ملامح هذا الانفجار تتكشّف مع الدعوات الأهليّة في عدد من المناطق والبلدات للسوريّين إلى المغادرة تحت طائلة الطرد.