سلاح فتاك في منازلنا ويهدّد حياتنا... كيف نحمي أنفسنا من مادة الرصاص؟

صنّفت منظمة الصحة العالمية الرصاص من بين المواد الكيمياوية الرئيسية التي تشغل الصحة العامة، ودعت إلى توفير إجراءات ضروريّة لحماية العمال والنساء والأطفال من خطر التسمّم؛ مع العلم أنّه نادراً ما يُسلّط الضوء على خطورتها التي قد تؤدي إلى الموت. واليوم، تعود التكهنات حولها مع انتشار خبر وجود الرصاص في أكواب "ستانلي". من هنا، لا بدّ من الإضاءة على مادة الرصاص ومصادرها وتأثيرها على جسم الإنسان؟

أكواب ستانلي

انتشر ترند "أكواب ستانلي" على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما لاحظ بعض المستخدمين وجود رصاص في أسفل الكوب، مما أثار جدلاً ومخاوف حول الموادّ التي تُستخدم في تصنيع هذه الأكواب.

وأكّد المتحدث باسم شركة "ستانلي" أنّها تستخدم الرصاص في أسفل الكوب، ليكون جزءاً عازلاً للكوب نفسه، والمغطّى بطبقة من الفولاذ المقاوم للصدأ ليحمي المستهلكين من التعرّض للرصاص، ولا يمكن الوصول إليه إلا إذا انفصل حاجز الفولاذ المقاوم للصدأ، وهو أمر ممكن، لكنه "نادر". وبالرغم من أنه يشكّل خطراً في حال انفصال الغطاء الموجود في الجزء السفلي، لكن السائل الموجود في داخله لا يلامس هذا الجزء. تالياً، هناك فرصة ضئيلة أو معدومة للتعرّض للرصاص من شرب السائل الموجود في داخل الحاوية. ويقول الخبراء إن الخطر يكمن في حالة نزع الغطاء الدائريّ ولمس المستخدمين الرصاص المكشوف ثمّ لمسهم أفواهَهم.

مصادر مادة الرصاص؟

تُستهلك مادة الرصاص في العالم لأغراض صناعة بطاريات السيّارات، فضلاً عن استخدامها في عدّة منتجات أخرى، من ضمنها الأصباغ والدّهانات واللحام والزّجاج الملوّن والأواني البلورية والذخيرة والخزف المُزجّج والمجوهرات ولُعب الأطفال وبعض المستحضرات التجميلية التقليدية مثل الكُحل والسندور والسون. وتوجد أيضاً في مياه الشرب المنقولة بأنابيب متآكلة مصنوعة بدورها من الرصاص. وهذه المياه تصل إلى المنازل والمدارس ومراكز الرعاية وأماكن مختلفة. والمياه التي تحتوي على نسبة حموضة عالية أو محتوى معدنيّ منخفض تسبّب بتآكل التركيبات والأنابيب بشكل خاصّ، ممّأ يُسبّب بدوره زيادة في نسبة الرصاص في المياه.
ففي حال الشك بوجود مادة الرصاص في المياه، يجب اتخاذ الإجراءات الآتية:
- عدم الطبخ أو الشرب من حنفيّة الماء الساخن، لأنها قد تذوّب المادّة. وعند الحاجة إلى الماء الساخن، يمكن تسخين مياه باردة من الحنفيّة أو الثلاجة.
-استخدام المياه الباردة للطهو أو الشرب.
- ترك المياه تجري قبل استخدامها.

أما في ما خصّ الطعام، فيمكن رصد مادة الرصاص في الغذاء الذي يأتي عن طريق الحيوانات التي تبتلع هذه المادة من النباتات الموجودة في الطبيعة. ويُعدّ الرصاص أكثر شيوعاً في بعض الأطعمة المزروعة في مناطق جغرافية ذات مستويات كبيرة من التلوّث البيئي بالرصاص. بالإضافة إلى ذلك، قد يتسرّب الرصاص المستخدم في صناعة الفخار إلى الأطعمة، بحسب تقرير لـ"إدارة الغذاء والدواء الأميركية".

وفي هذا الصدد، تلفت الدكتورة والاستشارية في أمراض الغدد والسكريّ، شارلوت أبو إلياس، في حديث لـ"النهار"، إلى أنّ أصنافاً من حلويات الأطفال قد تحتوي على مادة الرصاص بسبب غلافها المكوّن من "فولاذي لا يصدأ" أو "stainless". وقد تكون أيضاً في الكاكاو خلال تصنيعه".

وتؤكد أبو إلياس أنّ "السمك النهري أيضاً يحتوي على رصاص، وهذا يختلف بين نهر وآخر. وتوجد أنواع من الأسماك النهرية الغنية بالرصاص، منها أنواع من التونا وسمكة الأسقمري".
وأضافت: "لا يمكننا أن ننسى وجود الرصاص غير المصرّح به في بعض البهارات المستوردة، منها بابريكا، البهار الأسود والأبيض"، مشيرةً إلى أنّه لا يمكننا دراسة الكميّة من دون معرفة مصدر الزرع وكيفية تحويله وتصنيعه".

لكن الخطر الحقيقي يكمن في الرصاص الموجود في الطلاء الذي يستخدم للمنازل والمدارس والمباني، أكان في الداخل أم الخارج، وكذلك على الأثاث والملاعب والألعاب، وذلك لتسريع عملية التجفيف وزيادة المتانة. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنه على إثر حملة التوعية التي أطلقتها "الأمم المتحدة"، ارتفع عدد الدول التي تفرض ضوابط ملزمة قانونياً على الطلاء المحتوي على الرصاص.

هل يوجد رصاص في مستحضرات التجميل؟
شرحت الاختصاصية في الأمراض الجلدية، في دائرة طب الجلد في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتورة دانا سعادة، لـ"النهار"، بأنّ كمية الرصاص الموجودة في مستحضرات التجميل ضئيلة جداً ولا تشكّل خطراً، وأي تداعيات سلبية على الجلد جراء الرصاص تتطلّب التعرض لكميّة كبيرة منه.

وأشارت سعادة الى أنّ "قلقنا الرئيسي بشأن تأثير مستحضرات التجميل ناشئ من احتوائها على موادّ تتسبّب بالتهاب جلديّ أو تحسّس، وقد يكون تحسّساً ناجماً عن مادة سامّة تؤثر على بشرتنا. ومن أبرز هذه المواد " الثيومرسال"، الذي يُباع أيضاً تحت اسم الميرثيولات، وهو مركب عضويّ من الزئبق، يجب توخّي الحذر منه في مستحضرات التجميل أو منتجات البشرة، وغالباً ما يُعثر عليه في صبغات الشعر والتلوين".


الرصاص يقلل ذكاء الطفل ويقتل الملايين

تشير بعض الدراسات إلى أن 815 مليون طفل، أي واحد من كلّ ثلاثة من إجمالي الأطفال في العالم، قد تعرّضوا للتسمم بهذا المعدن.

ويقدّر تحديث منظمة الصحة العالمية للعام 2021 تأثير المواد الكيميائية على الصحة العامة بما يقرب من نصف مليون شخص فقدوا أرواحهم العام 2019 بسبب التعرّض للرصاص.

ويتوزّع الرصاص بعد دخوله جسم الإنسان على الأعضاء مثل الدماغ والكليتين والكبد والعظام. ويخزّن الجسم هذه المادة في الأسنان والعظام حيث يتراكم مع مرور الوقت.
وقد ينتقل الرصاص المُخزّن في العظام إلى الدم أثناء فترة الحمل، ممّا يعرّض الجنين لهذه المادة في طور نموّه.
وفي السياق، تشرح الدكتورة أبو إلياس عن عوارض التسمم الذي يطال الأطفال، إضافة إلى النساء والرجال، والذي قد يؤدّي أحياناً إلى الموت. وقسّمت الأعراض كالآتي:
-إصابة الأطفال الناجين من التسمّم الشديد بالرصاص بإعاقة ذهنية واضطرابات في السلوك بصفة دائمة، فضلاً عن تأثّر نمو دماغ الطفل، مما يفضي إلى انخفاض معدّل الذكاء (IQ) وظهور تغيّرات في السلوك مثل قصر مدّة الانتباه، وزيادة السلوك المعادي للمجتمع، وانخفاض مستوى التحصيل العلمي.
-اختلال كلويّ مع نوع من القصور المترافق بارتفاع نسبة السكّر في البول.
-الإصابة بفقر الدم وارتفاع ضغط الدم وتسمّم جهاز المناعة والأعضاء التناسلية.
-آلام البطن الشديدة مع الإسهال.
-نوبات غضب وعدم قدرة على التركيز.
-مشاكل في الخصوبة لدى النساء قد تؤدّي إلى ضعف في الإباضة، وإلى إجهاض في بعض الأحيان.