سنة كاملة على الخماسية والمعادلة أكثر تعقيداً

تفيد معلومات ديبلوماسية ان سفراء دول الخماسية الذين التقوا رئيس مجلس النواب نبيه بري مجتمعين فيما التقى البعض منهم زعماء او رؤساء الاحزاب الاخرى فرادى تلقوا نصائح من اكثر من فريق محلي بعدم وجوب الوقوع في ما وصفه هؤلاء لأنه "فخ" رئيس المجلس، الذي هو صاحب تجربة طويلة في العزف على نقطة ضعف لدى الموفدين او السفراء الاجانب حول التواصل عبر الحوار، والذي يرفع طاولة الحوار كشرط اساسي للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية على قاعدة حق يراد به باطل، وذلك فيما يتحمل بري مسؤولية عدم دعوة المجلس الى جلسات انتخاب وتكتله النيابي اول من يخرج بعد الدورة الانتخابية الأولى.

وهذه النصائح وجهت الى السفراء الذين تسلم اربعة منهم مهامهم الديبلوماسية في لبنان في الاشهر الاخيرة ويمكن ان يتأثروا بمنطق الحوار الذي لا يعارضه اي فريق محلي ولكن ليس وفق الشروط الذي يفرضها الثنائي الشيعي والذي تقول القوى الخصم انه على قاعدة هذا هو مرشحنا وما هو الثمن الذي تطالبون به لقاء الموافقة عليه.

وتستحضر هذه القوى في هذا الاطار التجارب السابقة لطاولة الحوار التي لم تسفر عن نتائج علما ان الوساطة الفرنسية التي يقوم بها الوزير السابق جان ايف لودريان لم تسفر عن اي مرونة لدى الثنائي للذهاب الى مرشح ثالث. كما تستحضر في هذا السياق الاتصالات والمشاورات التي ادت الى التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون والتي التقى فيها نواب من كتلة رئيس المجلس مع نواب من المعارضة في هذا الاتجاه من دون الحاجة الى الجلوس الى طاولة حوار. وهذه الفكرة وجدت صدى لدى بعض السفراء الذين اقتنعوا بان تنفيذ هذه المقاربة محتمل ويمكن استنساخه في تسهيل التشاور بين القوى السياسية وصولا الى انتخاب رئيس جديد. ولكن وفيما يدخل الفراغ الرئاسي في البلاد الاسبوع المقبل، شهره الخامس عشر مع احتمال ضئيل جدا لتحقيق أي تقدم، بات كثر يعتقدون اكثر فاكثر ان طاولة الحوار المطلوبة او المشاورات اذا استطاعت الخماسية ان تتموضع كوسيط قادر على القيام بمكوكية المشاورات وطبيعتها، واذا صدقت في تأكيداتها امام من تلتقيهم بان الامر يتعلق بارادة اللبنانيين وحدهم وليس بالخارج، ترتبط بانه أياً كان من يحصل على الموافقة على الرئاسة كمرشح ثالث فانما سيحصل ذلك من ضمن صفقة متكاملة تشمل اختيار رئيس الوزراء وطبيعة او تكوين الحكومة المقبلة وتوازناتها على قاعدة التزامها الاصلاحات وخطة صندوق النقد الدولي وكذلك الامر بالنسبة الى خطة قانون الانتخابات البرلمانية لسنة 2025.

هذا السيناريو مطروح منذ اليوم الاول من الشغور الرئاسي وحتى ما قبله فيما ان الخماسية سجلت خلال الشهر الحالي مرور سنة كاملة على بدء جهودها لاخراج لبنان من ازمته بعد اجتماعها الاول في باريس في 5 شباط من العام الماضي.

والاشكالية انه بعد سنة كاملة فان الجهد الذي انصب بعد اجتماعها الاخير هو على توحيد موقفها والتحدث بمقاربة واحدة. وهو احد الاسباب الرئيسية للاعتقاد بان الامور لا تزال تراوح مكانها. اضف الى ذلك ان المعادلة الاقليمية المؤثرة في الشأن اللبناني تعقدت لا بل زادت تعقيدا ولم تتغير ايجابا بحيث يمكن الرهان على احتمال نجاح جهود الخماسية التي لا تتمتع بالقدرات اللازمة للضغط على القوى السياسية للقيام بواجباتها. وثمة نظريتان راهنا احداهما ان الحزب اصبح اكثر تشددا في ظل فقدانه الحليف المسيحي الذي كان يؤمن له التغطية الوطنية وحتى الخارجية وفي ظل وجود معارضة واسعة شاملة من كل الطوائف الاخرى تقريبا حتى لحربه الداعمة لحماس في غزة واحتمال توريطه لبنان في الحرب. وكان اخر المواقف معبرا من الحليف المسيحي الذي شكله الرئيس السابق ميشال عون الذي اعتبر اننا "لسنا مرتبطين مع غزة بمعاهدة دفاع".

وتشدده في هذا الاطار هو على قاعدة التماسك الشيعي الذي عوض الابتعاد المسيحي لحليفه فيما فقد رئيس المجلس الهامش الوسطي نسبيا الذي كان يتمتع به والذي كان يخوله لادوار مرجعية مهمة لدى جميع الطوائف. والثانية وهي ليست مناقضة للاولى وتتمحور على ان الحزب سيضطر الى المساومة بعد انتهاء الحرب على غزة ووقف الحرب في الجنوب لان لا انتصارات متوقعة في الافق وفق ما يعتقد على رغم كل الكلام المغاير على هذا الصعيد .لكن في الاساس، لن يقدم الإيرانيون على التخلي عن المواقع التي ربحوها مع حزب الله خلال الاعوام الماضية لا سيما مع العهد الرئاسي السابق ما لم يحصلوا على شيء في المقابل لهم اقليميا، او حتى لبنانيا على صعيد تثبيت صلاحية الحزب وسلاحه اكثر في المرحلة المقبلة بضمانات معينة بعيدا من اي اشكاليات تثار حول الموضوع.

وفي هذه النقطة بالذات تحرص قوى سياسية على تحذير الخارج من تمكين الحزب في سياق سعيها الحثيث والقوي الى التهدئة في الجنوب وشراء هدنة طويلة الامد على غرار بعض ما يجري اقتراحه من افكار في هذا السياق، فيما قد يكون يؤدي هذا السعي الى ان يدفع لبنان ككل ثمنا لذلك لمصلحة ايران. اذ انه وفيما ان الخماسية تجتمع وتوحد الرؤى والموقف، فهذا الجانب من الازمة لا ينبغي ان يغيب كذلك عن رؤيتها للامور تحت وطأة العمل لمنع تمدد الحرب وتوسعها الى لبنان وربما ابعد.