عام "النزوح الجديد" و"الداتا": الدولة تفشل والتهديد يتفاقم!

لم يحمل عام 2023 أي مبادرة أو حلّ لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، ولا يبدو أنّ هذه العودة ستتحقّق سنة 2024. العام الذي يطوي صفحته لا يختلف عن الأعوام السابقة منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، لجهة تعزيز وجود النازحين السوريين في لبنان، وأثبت فشل الدولة في معالجة هذا الملف، تواطؤاً أم عجزاً أم قصداً لأسبابٍ سياسية أو أمنية أو استراتيجية - ديموغرافية.

عجز السلطة

المساعدات التي تقدّمها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من الوكالات الأممية والمنظمات والجمعيات، تشجّع النازحين على البقاء في لبنان، كما يقول أكثر من مسؤول وفريق سياسي. ولم يشهد عام 2023 أي إجراء لا بحق هذه المنظمات ولا حيال المساعدات ولا تجاه ضبط النزوح. رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هدّد المجتمع الدولي ومنظماته أكثر من مرّة، وما لبث أن تراجع. إلّا أنّه عاد وأكد، خلال مشاركته في المنتدى العالمي للاجئين في سويسرا، خلال الشهر الأخير من عام 2023، "أنّنا لن نبقى مكتوفي الأيدي... وأن يعتبرنا البعض مشاريع أوطان بديلة، بل سننقذ وطننا، وسنحصّن أنفسنا".

الفشل تام وشامل في هذا الملف، من أعلى السلطة إلى البلديات. لا تشريع أو قرار على رغم رفع الصوت تجاه تملّك السوريين وانتشارهم عشوائياً في المناطق، لا تشدّد في تطبيق قانون العمل أو في الإجراءات ضدّ النازحين واللبنانيين الذين "يشغّلونهم"، ولا خطة لمخاطبة المجتمع الدولي والضغط لتغطية تكاليف النزوح أقلّه إذا تعذّر تحقيق العودة، ولا سياسية ديبلوماسية ناجعة على هذا المستوى، ولا عمل بلدياً شاملاً موحّداً لضبط توزّع النازحين، بل هناك خطوات متفرّقة وجهود فردية... وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال أصدر خلال هذا العام أكثر من تعميم في ما يخصّ إحصاء وتنظيم النزوح في البلديات، من دون أي نتيجة عملية خصوصاً على مستوى تأجير المساكن. ومن الأمثلة على هذا الفشل، أواخر هذا العام، فوضى النزوح في مثلّث قرى بساتين العصي، كفرحلدا وبيت شلالا في قضاء البترون، التي أدّت إلى الإطاحة ببلدية كفرحلدا.

 

التنسيق مع سوريا

تلكأت الدولة في تكوين "داتا" للنازحين، وشهد هذا العام تجاذباً بين الجانب اللبناني ومفوضية اللاجئين حيال "الداتا"، إلى حين إعلان ميقاتي في 12 الجاري، أنّ المفوضية سلّمت إلى الأمن العام الداتا الكاملة المتعلّقة بالنازحين. وأتى هذا التسليم بعد أن أمهلت الحكومة المفوضية 3 أشهر لتسليم هذه الداتا، بموجب الاتفاق الذي أعلنه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب، في 8 آب. لكن على رغم أهمية هذه الداتا، تعتبر جهات متابعة للملف أنّه يجب أن يكون للدولة "داتا" خاصة بها، لضمان دقتها وشموليتها.

لم ينحصر عمل بو حبيب في ملف النزوح بهذا الاتفاق، بل كُلّف رسمياً زيارة سوريا بهدف التنسيق لمعالجة هذا الملف، ومن ضمنه "النزوح الجديد" الذي شهده عام 2023. التجاذبات السياسية أدّت إلى تغييب وزارات أساسية معنية بهذا الملف، فباتت وزارة الشؤون الاجتماعية المعنية الأساس بملف النزوح "شاهد ما شافش حاجة". في 23 تشرين الأول زار بو حبيب دمشق على رأس وفد والتقى نظيره السوري فيصل المقداد. ولم تظهر أي نتائج لهذه الزيارة حتى الآن.

عام 2023 استمرّ فريق "الممانعة" في التسويق بأنّ التواصل مع سوريا أساس لمعالجة ملف النازحين، فيما الرئيس السوري بشار الأسد نفسه سبق أن أكد أنّ العودة تحتاج إلى إعادة إعمار. والجميع يعلم أنّ إعادة الإعمار تتطلّب قراراً غربياً. فحتى القمة العربية في جدّة السعودية التي شاركت فيها سوريا للمرة الأولى منذ عام 2011، والتي «هُلّل» لها كثيراً وسُوّق أنها ستكون خطوة في اتجاه إعادة الإعمار، لم تؤت ثماراً على هذا المستوى.

 

الإبقاء على المساعدات والنازحين

وكان بو حبيب رأس وفد لبنان إلى مؤتمر "دعم مستقبل سوريا والجوار" في بروكسل، حيث قدّم ورقة لبنان عن تنظيم ملف النازحين السوريين التي ناقشها مجلس الوزراء. وتمنى أن لا تتحوّل أزمة النزوح السوري إلى قضية شبيهة باللاجئين الفلسطينيين الذين لا يزالون ينتظرون الحلول منذ 75 عاماً. لكن في الواقع، برزت خلال عام 2023، محاولات غربية عدة للإبقاء على النازحين في لبنان، إن من خلال إجراءات لمفوضية اللاجئين، أو طروحات لبعض الديبلوماسيين، أو عبر قرارات معلنة واضحة، أبرزها قرار صادر عن البرلمان الأوروبي في تموز، يدعم بقاء النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية. كذلك كشف النائب سيمون ابي رميا، بعد جولة اوروبية، بين 26 أيلول و6 تشرين الأوّل، أنّ الاوروبيّين بصدد التحضير لقرارٍ جديد من أجل "دمج" النازحين في المجتمعات المضيفة.

وإذ سقط قرار إعادة "دولرة" المساعدات التي تقدّمها مفوضية اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي للنازحين، لم تتوقف المساعدات عام 2023 وهي باقية سنة 2024. هذه المساعدات اضافةً إلى توافر فرص عمل للنازحين في لبنان والأزمة الاقتصادية في سوريا، أدّت إلى عدم رغبة النازحين في العودة إلى بلادهم.

 

طرحان بارزان

عام 2023 لم يشهد أي عملية عودة طوعية، على غرار تلك التي نظمها الأمن العام في السنوات السابقة. بدلاً من عودة النازحين، شهد عام 2023 موجة نزوح جديدة من سوريا إلى لبنان، عبر المعابر غير الشرعية لا سيما منها الشمالية. وإذ تعدّدت أسباب هذا النزوح خصوصاً أنّ النازحين الجدد كانوا من الفئات العمرية الشبابية، لم تتمكّن السلطة من وقف هذا النزوح من الجهة السورية عبر التواصل مع دمشق. و"رُميت" مسؤولية منع دخول السوريين خلسةً إلى لبنان على عاتق الجيش اللبناني، كمهمات عدة أخرى، ومنها ترحيل السوريين المخالفين، وضبط الهجرة غير النظامية بحراً، ومداهمة مخيمات النازحين وتجمعاتهم وضبط المخالفات والمواد المسروقة وغير الشرعية. وإذ تمكّن الجيش، حتى الآن، من ضبط النزوح أمنياً، لجهة منع تحوّل المخيمات إلى "نهر بارد" جديد، تبقى الخشية من التوترات الأمنية والجرائم الفردية، خصوصاً أنّ إحصاءات قوى الأمن تشير إلى أنّ النسبة الأكبر من مختلف الجرائم يرتكبها سوريون.

سياسياً، برز طرحان في ملف النزوح خلال هذا العام، تصدّرا الاهتمامات قبل عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول، الأوّل طرح الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ترك النازحين يمرّون عبر المياه اللبنانية إلى أوروبا، والثاني دعوة حزب المعارضة إلى إقفال مكتب مفوضية اللاجئين في لبنان. إلّا أنّ أصوات الحرب تعلو على الأصوات كلّها الآن.