ليبانون ديبايت: الجميّل... محاور لا مقاتل ومناقش لا مواجه

يعتمد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل سياسة مميزة في اختراق القواعد الحزبية والشعبية ومحاولة إقناعها بمشروعه السياسي وبتوجهاته في التعاطي مع الأزمة الحالية وطروحاته الخاصة بإيجاد الحلول المطلوبة لها.

فخلال إطلالاته التلفزيونية المتلاحقة خلال الأشهر الماضية عمد الى مخاطبة جمهور خصومه السياسيين والحزبيين بطريقة هادئة ومن موقع المحاور المباشر لا من موقع المقاتل، ومن موقع المناقش لا من موقع المواجه.
بدا أسلوبه استيعابياً أكثر مما هو صدامي... لم يحاول فرض وجهة نظره على محاوريه وسائليه، ولكنه عمل على مخاطبة عقل الشباب من خلال مجموعة من الأسئلة تاركاً لهم البحث عن أجوبة لها فاتحاً أمامهم الأبواب على ماضيهم وجوهر قناعاتهم التي محتها سياسات قياداتهم وأحزابهم وتياراتهم بفعل التسويات المتلاحقة وتغليب اعتبارات الوصول الى السلطة على العناوين الوطنية التي ناضلوا من أجلها لسنوات طويلة في الساحات والشوارع.

استفاد النائب سامي الجميّل من معرفته اللصيقة بمحازبي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ونضالهم المشترك في مرحلة الاحتلال السوري يوم كان ركناً أساسياً من أركان الحركة الطالبية في مواجهة النظام الأمني اللبناني – السوري.

واستفاد من معرفته اللصيقة بمحازبي تيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي في مرحلة ثورة الأرز يوم كانت مجموعة "لبناننا" الشبابية التي أسسها في صلب تلك الحركة السيادية الاستقلالية.

واستفاد من معرفته اللصيقة بقيادات قوى 14 آذار والسياسات التنازلية التي اعتمدتها خلافاً لرأيه ووجهة نظره بعدما تولى المسؤوليات الحزبية وانتخب نائباً على أثر اغتيال شقيقه النائب والوزير الراحل الشيخ بيار الجميّل.

استفاد من كل ذلك، خصوصاً في الحلقة التلفزيونية الأخيرة التي أطل من خلالها بداية الأسبوع عبر تلفزيون "او تي في" التابع للتيار الوطني الحر ليخاطب الشباب اللبناني من خلال أسئلة عدة وجهها الى أكثر من محازبي أكثر من فريق:

الى التيار الوطني الحر بسؤاله: هل ما نحن عليه اليوم هو ما كنتم تطمحون اليه وتناضلون من أجله يوم كنا سوياً؟

الى حزب الله بسؤاله: رددتم من قبل بأنكم لا تسلمون السلاح إلا لدولة تثقون بها. أما وقد أوصلتم الى الحكم رئيساً للجمهورية هو من أبرز حلفائكم، ورئيساً للمجلس النيابي تشكلون معه ثنائية تمسك بالتمثيل الشيعي من دون منازع، وحكومة من لون واحد أبعدتم عنها كل خصومكم ومنافسيكم، وقانوناً للانتخاب سمح لكم بإيصال أكثرية نيابية صافية، فلماذا لا تسلمون السلاح؟

الى القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي وتيار المستقبل: لقد جربتم التسويات والتنازلات من أجل الوصول الى السلطة مراراً منذ الاتفاق الرباعي الى اليوم، فماذا كانت النتيجة؟

والأهم من كل ذلك أن رئيس الكتائب النائب سامي الجميل بدا في موقع القوة والواثق بالنفس عندما وجه دعوة مباشرة لرؤساء الأحزاب وقيادات الصف الأول للنقاش العلني في هذه المسائل عبر شاشات التلفزيون وأمام الجمهور ليتمكن الرأي العام من تكوين الفكرة الصحيحة لمواجهة الاستحقاقات المقبلة، فاستكمل بذلك تصوّراً متكاملاً لانتخابات نيابية مقبلة يتمكن من خلالها الناس من اختيار من يقنعهم بمشروعه وخطة عمله، لا من ينقلهم من موقع سياسي الى موقع سياسي آخر مناقض تماماً باسم الوالاء والتبعية.

والواضح من خلال كل ذلك أن النائب سامي الجميّل مصرّ على اختيار الطريق الأصعب لتعزيز موقعه في السلطة. فهو لا يزال يردد أمام سائليه ومحازبيه بأن الأهم في هذه المرحلة هو مساعدة اللبنانيين، لا سيما الشباب من بينهم على بناء قناعاتهم بطرق شفافة وديموقراطية حديثة، لا من خلال الغرائز والتبعيات... وبرأيه فإن هذه الطريقة هي وحدها الكفيلة بإخراج لبنان من أزماته!