وقائع لبنانية مرعبة...إحباط نفسي وإفراط في تناول الـ"Xanax"!

ما قبل انفجار مرفأ بيروت ليس كما بعده، وما قبل تراجع سعر صرف الدولار ليس كما بعده بالنسبة للبنانيين، فنسبة المواطنين الذين يعانون من مشاكل نفسية إلى تزايد مستمر بشكل يومي عند أي استحقاق جديد أو حدث مفاجئ، ودائماً يكون وقعها عليهم كالصاعقة التي تقلب حياتهم رأساً على عقب، ويدخلون مرحلة الاكتئاب وسيطرة الأفكار السلبية على نمط حياتهم والشعور الدائم بالحزن الذي يؤدي أحياناً إلى الانتحار الذي ارتفعت معدلاته في لبنان في الآونة الأخيرة.

إبني أصبح يتساءل دائماً لماذا نتكلم عن الموت، وبدأ يخاف من أي صوت قوي بعدما كان شاهداً على انفجار بيروت وانفجار عكار الأخير. لم يعد بإستطاعنا أن نخفي الواقع عن أولادنا ولو كانوا في سن صغيرة جداً، التلفزيون مفتوح أمامهم والهواتف الذكية بين أيديهم، وأنا خائفة على مستقبلهم وكل يوم أراقب تصرفاتهم وأحاول قدر المستطاع أن أجمعهم مع عدد من الأولاد بشكل دائم كي يتوقفوا عن طرح أسئلة "أكبر من عمرهم" وكسر الصورة التي تتكون في مخيلتهم أن الحياة "بشعة"!

قوس قزح!

في هذا السياق، يشرح المعالج النفسي عبد الله الجراح لـ"لبنان الكبير" مسار المرض النفسي: "عندما تحصل أمور تتعدى نطاق العقل عند الإنسان لا بد أن نشهد تأثيرات في نفسيته، فعلى سبيل المثال انفجار مرفأ بيروت وانفجار عكار شكّلا صدمة كبيرة لجميع اللبنانيين وآثارها الجانبية تأتي على شكل "قوس قزح"، أي الأقرب لهذا الحدث هم الأكثر تضرراً والأكثر تأثراً من الناحية النفسية ويتأثرون بمواضيع تؤثر بشكل مباشر في نمط حياتهم حيث تصل إلى فقدانهم لعوائلهم وبيوتهم".

ويضيف: "تتخزن كل الأحداث الأليمة عند الإنسان في الجهاز العصبي وتولّد اكتئاباً وتعباً واضطرابات معرفية وتؤدي إلى نقص في الشهية ونقص في أمور عضوية أخرى في الجهاز الهضمي وعوارض أخرى كالإمساك أو الإسهال وغيرها، وذلك لأن الجهاز العصبي تسلم الرسالة وفسّرها على كل أعضاء الجسم".

وعن تأثيرات الأوضاع الاقتصادية بشكل مباشر، يقول: "انفجار مرفأ بيروت أو انفجار عكار استطاعت الأقمار الصناعية تصويره ورأينا آثاره في المستشفيات والطرقات والمنازل، أما الانفجار الاقتصادي أصعب بكثير وشامل لكل مناطق لبنان، وهناك حالات كبيرة باتت تأتي إلى العيادة للمعالجة بسبب الضيقة والحرمان والتي ينتج عنها عدة أمور منها حالات الطلاق، البؤس، اليأس، الإدمان، وانتشار الدعارة وأمور أخرى لاأخلاقية تظهر في هذه الكارثة الاقتصادية، وتخيّلوا أن هناك أطفالاً سيدخلون عامهم الثالث في المدرسة ولم يروا المدرسة بعد ولا أساتذتهم عن قُرب وهذه الأمور أشبه بصاعقة للطفل وفي هذه الحال تصيب الولد عوارض التبول اللاإرادي والإسهال وغيرها بسبب نفسيته وتفاجُئه بالمكان".

الإفراط في الأدوية

وعن الإفراط في تناول الأدوية، يقول: "مشكلة العصر عندنا هي الأدوية، وأغلب المرضى الذين تتم معالجتهم في العيادة يتناولون أصنافاً من الأدوية التي "تهد الجبال" بسبب عيارها الثقيل، وأستغرب كيف يستطيعون تحمّلها وأستغرب من الأطباء التي تصف لهم هذه الأنواع لأنها خطيرة عندما تؤخذ في وقت واحد، فالدواء مثل الرصاص، إذا استهدف موقع المرض بشكل دقيق ينفع من دون أن يضر بالأنسجة، وهناك أدوية تستهدف الألم لكن أغلب الأحيان لا تصيب موقع المرض وهنا تكمن الحظورة".

وينصح الجراح "بأن تبتعد الناس عن تناول أدوية الأعصاب بكثرة وبشكل مفرط لأنني ألاحظ وبشكل كبير العدد الهائل من الإناث أكثر من الرجال اللواتي يتناولن الـ"Xanax" وغيره على اعتبار أنه دواء عادي للأعصاب، لكن أؤكد للجميع أنه ليس بسيطاً وكله له تأثيرات سلبية في الجسم على المدى البعيد".

الصحة النفسية والسلوكيات

وتقول الخبيرة الإجتماعية مارسيل دلال بالنسبة لانعكاس نفسية المواطن على تصرفاته الاجتماعية أن "هذا الوضع جعلنا متعطشين للنوم ساعات طويلة، فكلما نسمع أحدهم ينام أكثر من ٥ ساعات متواصلة بسبب التفكير والقلق من جهة، والخوف من أي تفجير جديد يمكن أن يطالنا ولم نعد نستبعده من جهة أخرى، فمثلما لم يكن انفجار المرفأ بالحسبان وتسبب بأزمات نفسية للبنانيين، كذلك انفجار عكار الأخير، ويومياً نشهد إشكالات على محطات الوقود، مَن يدري متى يتطور أي إشكال وينفجر بوجهنا جميعاً... هذا الوطن مخيف ومليء بالأزمات"!.

وتضيف: "كل ما نعيشه اليوم يؤثر بشكل مباشر في الأطفال، فأصبحنا نشعر بقلقهم إزاء الواقع الذي نعيشه، وكثُرت أسئلتهم عن الموت والفقدان والحرمان، من رغبتهم بشراء شيء معيّن مقابل عدم قدرة الأهل على شرائه في ظاهرة لم يعتادوها من قبل، أو رؤيتهم لمشاهد انفجار المرفأ والدمار والضحايا، كذلك الأمر بالنسبة لانفجار عكار من خلال استعمال أغلب الأطفال اليوم هواتف أهاليهم من دون رقابة وتأثرهم الكبير بها، كل هذا ينعكس سلباً على نفسية الطفل وبالتالي يؤدي إلى انعكاسات على سلوكه الاجتماعي، كأن يدرك الطفل سوء الحال وبالتالي يُظهر هذا الأمر أمام الناس "سيارتك حلوة نحنا ما عنا سيارة ما معنا مصاري"، "طعميني شوكولا بابا ما عم بجبلي"!، وغيرها من العبارات التي تعكس بماذا يفكر الطفل وبماذا يرغب، ما جعله انطوائياً بطبعه ويبتعد عن المشاركة مع رفاقه ويفضل اللعب على الهاتف".

وتختم دلال: "بالنسبة لمتوسطي العمر وكبار السن هم أكثر المتضررين نفسياً من كل ما يحصل، إذ انعكست الأحداث والأزمات على جلساتهم التي خلت من الأحاديث وفي حال وجدت تكون بشكل مباشر عن معاناتهم تحديداً، انعكست على تصرفاتهم، فقد أصبحنا نشهد "ضيقة خلق" في كل الأمور، وعند أصغر تفصيل أصبحنا نشهد إشكالات تتطور لاستعمال أسلحة وإصابات وقتل، الموضوع ليس سهلاً، حتى إن تصرفات كبار السن أصبحت واضحة للعيان من خلال حرمان أنفسهم على سبيل المثال نوعاً معيناً من الدواء بسبب ارتفاع سعره مقابل توفير ثمنه على أولادهم وهذا الأمر أيضاً خطير جداً، فالوضع النفسي ينعكس على حياة المواطن الاجتماعية وطالما أن الأزمات مستمرة فصحة المواطن النفسية في خطر وإذا لم تظهر تبعاتها اليوم سنشهدها في السنوات المقبلة".