أدوية مدعومة في السوق السوداء وأخرى مزوّرة تفتك بالمرضى

كتبت سلوى بعلبكي في النهار:

صحيح أن سياسة الدعم المباشر على السلع أثبتت فشلها بعدما امتصّت نحو 8 مليارات دولار من احتياطات مصرف لبنان، بيد أن رفعها عن الدواء قبل اعتماد سياسة صارمة ومحكمة تضمن وصول #الادوية الى مستحقيها من المرضى، تحدٍّ قد يميت بعض المواطنين على نحو بطيء نتيجة تقنينهم تناول الدواء لعدم قدرتهم على شرائه بعدما ارتفعت أسعاره أكثر من 25 ضعفاً.

وإن كان قرار تقليص الدعم على السلع، حدّ من هدر احتياطات "المركزي"، فإن تقليصه على أصناف عدة من الادوية والمستلزمات الطبية وحليب الاطفال من نحو 1.2 مليار دولار، إلى 420 مليون دولار سنوياً (35 مليون دولار شهرياً) من حقوق السحب الخاصة SDR التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي، لم يمنع من فقدانها وتخزينها في بعض المستودعات في انتظار بيعها بأسعارها الحارقة في "الوقت المناسب"، أو في #السوق السوداء لتحقيق ربح غير مشروع على حساب صحة المرضى والاطفال.

25 مليون دولار للأدوية المستعصية والمزمنة

نحو 1200 صنف دواء على لائحة وزارة الصحة لا تزال مدعومة من أصل 4200 دواء مستورد، ومعظم أدوية الامراض المستعصية خصوصاً تلك التي أسعارها مرتفعة لا تزال مدعومة، إذ إن وزارة الصحة تستخدم نحو 80% من الميزانية الشهرية، المقدرة بنحو 25 مليون دولار، للأمراض المستعصية، أما نسبة الـ20% فتخصّص لبعض الامراض المزمنة، خصوصاً أمراض السكري.

ولكن يبدو أن هذا المبلغ غير كافٍ لعلاج مرضى السرطان والامراض المستعصية الذين أصبحت نسبتهم مرتفعة جداً في لبنان لأسباب عدة منها التلوّث البيئي. وإن كان نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة يؤكد أن ثمة سوقاً سوداء تشتري الأدوية المدعومة ومن ثم تبيعها بسعر غير مدعوم، يؤكد الأبيض لـ"النهار" أن ظاهرة بيع الادوية المدعومة في السوق السوداء ليست جديدة، بيد أن نظام التتبّع الذي تعتمده الوزارة يخفض الى حدّ كبير هذه الظاهرة. فالنظام يلحظ نحو 14 دواءً للأمراض المستعصية والمزمنة، بحيث يُسجّل كل اسم المريض الذي هو بحاجة الى أيّ دواء من هذه الأدوية للتأكد من أن الدواء المدعوم يذهب مباشرة للمريض المحتاج إليه، وعلى نحو لا يمكن بيع هذه الادوية في السوق السوداء أو حتى تهريبها الى الخارج. وإذ أشار الى أن الوزارة ستعمل على توسيع لائحة نظام التتبع تدريجاً، ليشمل أكثر من 14 دواءً، أكد أن "الوزارة ستطلق الاسبوع المقبل نظام التتبع للصيدليات ليشمل نحو 3 آلاف صيدلية". أما إذا ثبت أن أي مستودع يخزن أدوية مدعومة لبيعها بسعرها الحقيقي لاحقاً، فإن الوزارة وفق ما يؤكد الابيض تحيله فوراً الى النيابة العامة.

من جهته يؤكد جبارة لـ"النهار" أن آلية التتبع التي تعتمدها الوزارة التي تحدد الدواء والكمية المفترض استيرادها، "فعالة الى حد ما خصوصاً في ظل كثرة المرضى الوهميين، فيما الميزانية المحددة للأدوية المستوردة قليلة، ولا تغطي كل الحاجة"، مشيراً الى المستوردين يستوردون الادوية حسب طلب الوزارة، ويُوزَّع على المستشفيات والصيدليات.

وفي شرحه لآلية التتبع، يشير جبارة الى أن "المستشفى يعلم الوزارة باسم المريض والادوية المطلوبة لعلاجه، وعند موافقة الوزارة تبلغ الوكيل بأن يرسل الادوية المطلوبة الى المستشفى المعنيّ. وهذا الامر كان يطبّق على نحو 10 أنواع أدوية سرطانية، وتمت زيادة العدد حالياً الى أكثر من 14 نوع دواء".

ولكن نقص الأدوية، مدعومة كانت أو غير مدعومة، التي باتت أسعارها مضاعفة عشرات المرات، شجع الكثير من منتهزي الفرص ومروجي "شنط الأدوية" وخصوصاً أدوية الامراض المستعصية على ترويجها وبيعها للمواطنين الذين يفاجؤون بأنها مزوّرة أو غير فعالة عند استخدامها. مصدر هذه الادوية كما هو معروف هو تركيا وسوريا، وليس إعلان القوى الامنية منذ أيام أن دورية تابعة لأمن الدولة في البقاع، أوقفت سورية تتولى عملية تسويق الأدوية المهرّبة، وضبطت معها نحو 1450 علبة من مختلف الأدوية والعقاقير داخل مخيّم للنازحين في بلدة بر الياس في قضاء زحلة، إلّا دليلاً على حال التفلت والاستهتار بحياة المواطنين الذين يلجؤون الى هؤلاء "مجبرٌ أخاك لا بطل". علماً بأن هذه الادوية تسببت بمضاعفات صحية تعرّض لها عدد من المواطنين اللبنانيين، و"ذلك على غرار ما حصل مع الكثير من علاجات السرطان المفقودة، والمرتفعة الثمن التي أدخلها المهربون بطرق غير شرعية، ما دفع الكثير من المستشفيات إلى منع المرضى من إدخالها في علاجاتهم لديها خصوصاً أنها قد تسبب أضراراً صحية لا تُحمد عقباها".

يقدر جبارة نسبة التهريب لعدد من أدوية الامراض المزمنة والمستعصية بين 35 الى 40%. وهذه النسبة مرتفعة جداً برأيه، وخارجة عن رقابة الوزارة، ما يعني أنها لا تستوفي شروط الشحن والتخزين وهذا ما يعرضها للتلف، ويؤدي تالياً الى نتائج كارثية على صحة المواطن.

لعل قطاعي المستشفيات أو الصيادلة هما الجهة الصالحة لكشف عمليات تزوير الادوية وخصوصاً الإبر التي يأتي بها المريض لحقنه بها، لما لهم من خبرة في هذا المجال. وبالفعل تبلغ بعض المستشفيات نقابة المستوردين عن أدوية مزورة يأتي بها المرضى، وفق ما يكشف جبارة الذي يوضح أن ثمة أنواعاً من الادوية المزورة لا يمكن للشخص العادي أن يميزها، ولكن المستشفيات أو الصيدليات يمكن أن تكشفها بالعين المجردة من أي غلطة مطبعية على الغلاف، أو من لون السائل أو كمّيته في الانبوب، أو رقم "الطبخة" الذي يكون غير مطابق للرقم الموجود على الغلاف"، مؤكداً أن "معظم هذه الادوية تباع عبر وسائل التواصل الاجتماعي". فشبكات التهريب أصبحت تعمل بحرية لافتة، حتى إنها وسعت نشاطها ليشمل الادوية المزوّرة مع اطمئنانها لعدم وجود رقابة في لبنان".

ولكن ما هو دور نقابة مستوردي الادوية في التخفيف من هذه الظاهرة؟ يؤكد جبارة أن النقابة "تبلغ وزارة الصحة بحالات التزوير المؤكدة، أي من خلال تقرير يصل إليها من المستشفيات أو من الشركات المصنعة في الخارج عن وجود أدوية مزورة في لبنان مماثلة للادوية التي يصنعونها، علماً بأن ثمة بعض حالات التزوير الفاضحة التي تكتشفها المستشفيات، ولا نعلم بها. ولكن في النهاية الموضوع هو موضوع أمني وقضائي، ويُفترض بالسلطات المختصة متابعته".

أما وزير الصحة فلا ينفي وجود أدوية مزورة ومهربة في السوق اللبنانية، فالتزوير وفق ما يقول يطال كل شي، و"لكن في المقابل، نقوم بواجباتنا من خلال التفتيش الصيدلي في الوزارة اضافة الى تعاوننا مع نقابة الصيادلة في هذا الشأن. وأي ضبط لأدوية مزورة نحول أصحابها الى النيابة العامة. والحل الافضل هو عبر نظام التتبع وتأمين الدواء للمريض الذي لن يكون في حاجة الى شراء أدوية من خارج الصيدليات أو المستشفيات".

ويعزو جبارة المشكلة الاساسية في التهريب والتزوير الى نقص الادوية في لبنان الذي بدوره يرجع الى النقص المالي وغلاء الفاتورة الدوائية. وتالياً لمعالجة هذه المعضلة يقترح إما زيادة التمويل للدعم لاستيراد الادوية التي لا تزال مدعومة كلياً أو جزئياً، أو السماح باستيراد الادوية تحت رقابة وزارة الصحة وتسعيرها بسعر مناسب، أو تأمين سلف للضمان كي يغطي كلفة الأدوية على أن يقرر بعد دراسته لملف المريض تغطية الكلفة من عدمها.