المصدر: نداء الوطن
الكاتب: مروان الشدياق
الأربعاء 9 تموز 2025 08:00:38
في وطنٍ يُخرّج أكثر من 40 ألف طالب جامعي سنويًا، يصبح الحديث عن أزمة بطالة خانقة أمرًا بديهيًا لا يحتاج إلى دليل. ولكن ما يحتاجه بالفعل هو التدقيق في جوهر الأزمة: هل حقًا لا توجد وظائف في لبنان؟ أم أن المشكلة أعمق من مجرّد نقص في فرص العمل؟
يكشف رئيس جمعية "لابورا" الأب طوني خضرا أرقامًا صادمة ومواقف لا تقل أهمية، تعيد رسم مشهد سوق العمل اللبناني من جديد. إذ يتبين أن النقص في الفرص الوظيفية واضح وكبير، ومع ذلك، توجد فرص لا تجد من يلتقطها لاعتبارات ثقافية أو بسبب عقلية البريستيج...
يفنّد خضرا لـ "نداء الوطن"، واقع البطالة في البلد، إذ تخرّج في العام 2024 ما يقارب 41,000 طالب جامعي، إلا أن 7,000 فقط منهم نجحوا في إيجاد وظائف. أما الباقون، فإما ما زالوا عاطلين عن العمل، أو غادروا البلاد، أو ينتظرون الفرصة المجهولة. وفي العام 2025، يرتفع الرقم إلى 43,000 خريج، ما ينذر بتفاقم الأزمة في حال لم تُتخذ تدابير جذرية.
الأب خضرا يشير إلى أن نسبة البطالة العامة في لبنان لا تقل عن 42%، وهي نسبة تعكس انهيارًا شبه تام في السياسات الاقتصادية والتربوية للدولة.
بعكس ما يردده كثيرون من أن "لا فرص عمل في لبنان"، يكشف خضرا أن جمعية "لابورا" ومنصة "Sperare" وفّرتا خلال عام 2024 ما يقارب الـ 4,500 فرصة عمل، موزّعة على مختلف القطاعات. لكنه يؤكد أن هناك قطاعات متعطشة للعمال والموظفين، مثل تكنولوجيا المعلومات، التمريض، الأشغال اليدوية والمهن الحرفية.
إلا أن هذه القطاعات تعاني من عزوف الشباب اللبناني عنها، إما بسبب تدني الأجور أو نظرة المجتمع التي لا تزال تقيّم العمل بحسب "البريستيج".
يحمّل خضرا جزءًا كبيرًا من المسؤولية إلى الاختصاصات الجامعية غير المتماشية مع حاجة السوق، مؤكدًا أن التوجيه الجامعي يتمّ في كثير من الأحيان وفق حاجات الجامعة لا وفق متطلبات السوق.
ويضيف: "بدل أن نوجّه الطالب إلى اختصاص مطلوب، نُقحمه في اختصاصات لا يحتاجها السوق، لمجرّد تعبئة مقاعد الجامعة".
أما العامل الثقافي، فله الدور الأعمق، إذ يرى خضرا أن "ثقافة الشنطة والمطعم والدولارات والهاتف آخر طراز" لا تزال تهيمن على تفكير الشباب اللبناني، مشيرًا إلى أن بعضهم يرفض العمل في المطاعم أو المهن اليدوية، في حين أن غيرهم تمكّن من تمويل دراسته بالكامل من خلال هذا النوع من الأعمال.
يتوقف خضرا مطولًا عند مشكلة تدني الأجور، فيقول إن الحد الأدنى الحالي الذي لا يتجاوز 300 دولار شهريًا لا يكفي لتأمين حياة كريمة للفرد أو أسرته. ويضيف: "الحد الأدنى يجب أن يلامس على الأقل 1000 دولار شهريًا كي يصبح منطقيًا مقارنة بكلفة المعيشة".
ويؤكد أن "لابورا" طالبت مرارًا بإعادة هيكلة الأجور، ورفع الحد الأدنى، إلا أن التفاعل الرسمي بقي محدودًا. كما يدعو النقابات العمالية إلى لعب دور أكثر فعالية في الدفاع عن حقوق العمال ورواتبهم.
ويروي خضرا حادثة تختصر الإهمال الرسمي، إذ يقول إن أحد الوزراء أبلغه ذات مرة بنيّته إقفال المؤسسة الوطنية للاستخدام (NEO) لأنها "غير منتجة".
وفي رأيه، بدلًا من إقفال المؤسسات التي تعنى بتوفير فرص العمل، يجب على الحكومة أن تدعمها وتطوّرها وتمنحها التمويل اللازم، لأن ذلك هو دور الدولة الأساسي: خلق فرص العمل والحدّ من هجرة الأدمغة.
ويكشف خضرا أن "لابورا" تستعد لإطلاق منصة جديدة تحمل اسم "Labora Internationale"، تهدف إلى تأمين عشرات آلاف الوظائف للبنانيين في الخارج. وهو ما يشير إلى إدراك واضح من الجمعية أن الحلول المحلية باتت عاجزة أمام الواقع الاقتصادي المتدهور، وأن الشباب يبحثون عن أفق أرحب خارج الحدود.
البطالة في لبنان ليست فقط أزمة وظائف. إنها أزمة ثقافة، وتخطيط تربوي فاشل، وغياب شبه كامل للرؤية الاقتصادية لدى الدولة. الوظائف موجودة، لكن المطلوب إعادة النظر في الذهنية، وفي هيكلية الأجور، وفي مسارات التوجيه الجامعي.
بين الأرقام الصادمة والفرص المتروكة، يقف الشباب اللبناني على مفترق طرق: إما المغادرة، أو القبول بواقع يحتاج إلى الكثير من التغيير.