أسبوع "زقاق البلاط" و"زقاق الاغتراب"

تتزاحم الملفّات بسرعة كبيرة في لبنان، وكلّ ما كَتَبتُ مقالةً بموضوعٍ مُعَيَّن مزّقتها بسبب ظهور مواضيع أخرى أكثر إلحاحاً.
كنت أرغب اليوم في تناول موضوع النوّاب الستّة الذين يصرّ عليهم النائب جبران باسيل من «حرصِهِ» على مصالح المغتربين المنتشرين، في الأقضية اللبنانيّة الستّ «ما وراء البحار»، أي أميركا الشماليّة وأميركا الجنوبيّة وأوروبّا وأفريقيا وآسيا واستراليا!!
طبعاً، لا يستطيع أي عقل وأي منطق أن يشرح لنا، ما إفادة اللبناني المقيم في إحدى هذه القارات من نائبٍ يعيش في الاغتراب ليمثّله في المجلس النيابي اللبناني وذلك بوجود السفارات والقنصليّات والبعثات اللبنانيّة بكلّ أنحاء المعمورة.
فالسفارات هي قناة التواصل والوَصل الطبيعيّة بين لبنان المغترب ولبنان المقيم، وأي مسعى باتجاه دفع الانتشار اللبناني لانتخاب نواب من خارج الـ ١٢٨ نائب، هو بمثابة إخراج للمغتربين من وطنهم ومن جذورهم التي بها يفتخرون، وَهُم الذين ما بخلوا يوماً بالغالي والنفيس من أجل بلدهم.

لا شيء يبرر تهميش المغتربين اللبنانيّين إلّا الخوف من أن تصبّ أصواتهم عكس «التيّار»، وما عدا ذلك فذلكات لا تَركَب على «قوس قزح».

إلّا أنّ ثلاثة أمور خَطَفَت منّي الأفكار في اتجاه آخر:

الأمر الأول: تصريح جَدِّي وَعَلَني لدونالد ترامب، يَشكر فيه إيران على «لطافتِها» عندما استأذنته، «وبكلّ احترام» لتطلق ١٤ صاروخاً باليستيّاً على قاعدة «العديد» الأميركيّة في قطر، مع وَعدٍ بعدم وصول الصواريخ الى هَدَفِها وعدم حصول أيّة أضرار بشريّة أو ماديّة في القاعدة أو في دولة قطر.

وشرح ترامب كيف أنّ إيران انتظرت «موافقته» قبل إطلاقها الصواريخ. وقد تمّت الضربة كما تعهدت إيران بعد أن قال لها ترامب «تفضلوا» أقصفوا.

كيف تكون الذِلّة والمَذَلّة؟

الأمر الثاني: مجموعة التصاريح التصاعديّة في الليالي العاشورائيّة للشيخ نعيم قاسم وأبرزها «أنّ الدفاع عن الوطن لا يحتاج الى «إذن» حتى يتوفّر البديل الدفاعي».

يعني الى أن يتسلّح الجيش اللبناني بطائرات الـ B2 والـ B52 والـس F35 وبمنظومة «باتريوت» وبالقنابل التي تخرق الجبال وبكلّ الاختراعات السيبرانيّة والذكاء الاصطناعي والقدرة على تفخيخ «البيجرز» و«التوكي ووكي» في بلد المنشأ، ناهيك عن الوصول الى القدرة التقنيّة والاستخباراتيّة لملاحقة نتنياهو وقيادات الجيش الإسرائيلي ورجال مخابراته حتى غُرَف نَومِهِم أو خلال استعمالهم «للرابيد» وللموتوسيكلات، بعد كلّ هذا يُمكِن أن يبحث الشيخ نعيم قاسم بموضوع سلاحه «مع مَن هو قادر في الدولة اللبنانية» بحسب خطابه.

كلام منطقي جدّاً من الشيخ نعيم قاسم!!

الأمر الثالث: وفيما الأمين العام «لحزب الله» يخطب في كلّ ليلة عن «الانتصارات الإلهيّة» وعن الوجود «الملائكي» معه في المعركة وعن قدرة الردع «الحزب اللّاهي» بوجه إسرائيل وأميركا، كانت مجموعة من بضع «رشّاشات» ترتفع، تحت الرايات العاشورائيّة، وتجول نهاراً جهاراً في أحياء «زقاق البلاط» على بُعدِ عشرات الأمتار فقط مِن السراي الحكومي.
طبعاً لا أحد يمكن أن يَقتنع أنّ هؤلاء «الشباب» حملوا رشّاشاتهم وصالوا وجالوا في شوارع بيروت بمبادرة فرديّة منهم، فَهُم ما كانوا ليقوموا بذلك لولا التخطيط والأوامر من أعلى المرجعيّات الحزبيّة لديهم.

هذا التظاهر المسلّح عنوانه واحد:

نتحدّى إسرائيل وأميركا لفظيّاً، ونُخيف ونُرعِب شركائنا في الوطن فعليّاً.

فإلى متى سيستمرّ نهج الاستكبار والاستفزاز، والى أين تريدون أخذ البلد؟؟