أمين الجميّل يخوض الانتخابات الفرعية في المتن عام ١٩٧٠

في ٣١ تشرين الأول ١٩٧٠ اصابت نائب المتن موريس الجميل نوبة قلبية على اثر انتهائه من القاء خطابه في المجلس النيابي الذي استمر ساعة وربع الساعة. وفي ١٠ تشرين الثاني ١٩٧٠ فارق الحياة في المستشفى. وعلى اثر وفاته، حددت الحكومة يوم التاسع عشر من كانون الأول للانتخابات الفرعية في دائرة قضاء المتن لملء المقعد الماروني الشاغر.
طُرحت مسألة الخلافة داخل الحزب والبرلمان. كان الرجل الثاني في الهرميّة الحزبية في المتن، رئيس إقليم المتن المحامي منير الحاج، وكان هذا الأخير، ووفق الأعراف الكتائبية، المرشح البديهي للكتائب لملء المقعد الشاغر. إلا ان الحاج لم يكن واثقًا من النجاح. فالرئيس سليمان فرنجية، المُنتخب حديثًا على رأس الدولة، وحلفاؤه من القيادات الأساسية، السنّي صائب سلام والماروني ريمون اده والشيعي كامل الاسعد والارثوذكسي البير مخيبر، وكثيرون غيرهم ممّن لم يكونوا يكنّون الودّ لحزب الكتائب او يستسيغون قيادته الشارع المسيحي، راحوا يتحينون الفرصة منذ زمن طويل لتأمين تفوقهم على الكتائب وتضييق الحيّز الواسع، في رأيهم، الذي كان يشغله آل الجميل على الساحة السياسية. لهذه الأسباب مجتمعة قررت الكتائب يوم الخميس في ١٩ تشرين الثاني سنة ١٩٧٠ ترشيح أمين الجميّل للانتخابات الفرعية في المتن. وذلك اثر اجتماع عقده نائب رئيس الحزب الأستاذ جوزيف شادر ليختار واحدًا من أربعة قدمتهم القاعدة الكتائبية في إقليم المتن وهم جورج عميرة، منير الحاج، هنري داغر وامين الجميل. وكان الأستاذ جورج عميرة قد اعتذر منذ البدء عن قبول هذا الترشح، عندئذ استدعي المرشحون الثلاثة وابلغوا هذا القرار من قبل نائب رئيس الحزب بحضور لجنة الانتخابات فاعلن الثلاثة التزامهم التام بما انتهى اليه المكتب السياسي.
يوم الأربعاء ٩ كانون الأول ١٩٧٠ رست بورصة المرشحين للمقعد النيابي في الانتخابات الفرعية في المتن على ستة مرشحين هم: أمين الجميّل، فؤاد لحود، جوزيف خوري، أنطوان الأشقر، ادمون طوبيا، نبيل غصن، وسامي أبو جودة، بعد ان انسحب اثنان هما فكتور موسى وانطوان الجميل. بعد ذلك اصدر حزب الوطنيين الاحرار قرارًا اعلن فيه تأييده لمرشح حزب الكتائب، الشيخ أمين الجميّل . إلا ان المرشح فؤاد لحود، المنتمي الى حزب الاحرار، رفض التقيّد بقرار حزبه، واعلن، بعد حملة شنها على الكتائب، أنه مستمر في المعركة مهما تكن النتائج.
وفي بيان أصدره النائب ميشال المر، دعا فيه هذا الأخير اصدقاءه وناخبيه من أبناء المتن الى حشد جميع طاقاتهم وقواهم لمساندة ترشيح الشيخ امين الجميل. كما طلب المر من مناصريه تنسيق العمل مع فريق الكتائبيين والاحرار، لتأمين سير العمليات الانتخابية. وفي قرار صادر عن الحزب الدستوري، ايّد فيه هذا الأخير مرشح حزب الكتائب الشيخ امين الجميل، وذلك تقديرًا لمواقف الكتائب الوطنية بصورة عامة ولجهاد رئيسها في كل المجالات العامة بصورة خاصة وانسجامًا مع حزب الوطنيين الاحرار الذي يتزعمه الرئيس كميل شمعون. وأصدرت عائلة أبو جودة بيانًا ايدت بموجبه مرشح الكتائب الشيخ أمين الجميّل، كما ودعت افراد العائلة في الساحل والجبل وصدقائهم العديدين لتأييد الشيخ  أمين الجميّل . اما في ما يتعلق بموقف حزب الطاشناق، فإن هذا الأخير فضّل الوقوف على الحياد في هذه المعركة مستندًا بذلك الى مبدأ عدم التدخل في المعارك القائمة بين الأحزاب، ولأن الحزب هو صديق للفريقين المتنافسين، ولأن الخلافات القائمة بينهما ليست خلافات مبدئية، او سياسية، بل صداقة متبادلة.
ان فوز امين الجميل بمقعد المتن الشمالي كان مضمونًا بفارق كبير. فالقوى التي التفت هذه المرة ضد المرشح الكتائبي سبق ان التفت للغرض نفسه في انتخابات ١٩٦٤ و١٩٦٨ ولم تفلح. وكانت هذه القوى في المناسبتين تعتمد على رصيد الرئيس كميل شمعون الشخصي والحزبي والوطني الى حد كبير. اما في هذه الانتخابات الفرعية، فكان الرئيس شمعون يقف مع حزبه الى جانب الكتائب ومرشحها. ان دعم المرشح امين الجميل من قبل الرئيس شمعون، اتى ضمن اعتبارات عائلية، بحكم ان المرشح  أمين الجميّل  يخوض معركة وراثة مقعد خاله الشيخ موريس الجميل. كما اتى هذا التأييد من قبل الرئيس شمعون من باب ما يجمعه بالشيخ بيار الجميل من علاقة شخصية. لتؤكد هذه الانتخابات مرة أخرى أهمية العامل العائلي ودوره في مسار العملية الانتخابية، وما تتضمنه من تحالفات وتأييد ودعم لهذا المرشح او ذاك.
بلغ عدد الناخبين في دائرة المتن ٨٩٨٦٢ ناخبًا منهم ٤٦٠٩٧ ذكورًا و٢٧٦٥٥ اناثًا، توزعوا على ٢٣٤ قلم اقتراع. وجرت العملية الانتخابية في جو من الهدوء ساعد على توفيره حياد السلطة ووجود قوى الامن. وبلغ عدد المقترعين ٣١٣٧١ من اصل ٨٩٨٦٢ ناخبًا أي بنسبة ٣٤٪.
كان الفارق بين المرشح امين الجميل وفؤاد لحود كبيرًا، إذ بلغ ٤١٤١ صوتًا. ووفق أجواء العملية الانتخابية فإن منطقة أعالي المتن، أي الجرد، لم تصوت بكثافة، باستثناء بلدة بسكنتا، وقد يكون ذلك عائد ربما الى عوامل مناخية، في حين ان منطقة ساحل المتن هي التي رجّحت كفة المرشح أمين الجميّل، أذ وصلت نسبة الاقتراع مثلاُ في سن الفيل الى ٥٠٪ ، بينما تعدت هذا الرقم في جل الديب والزلقا، وقد عوضت أقلام الاقتراع في منطقة الساحل ما خسره المرشح أمين الجميّل في برج حمود بامتناع الطاشناق عن المشاركة في هذه الانتخابات. وما خسره المرشح فؤاد لحود في الساحل عجز عن تعويضه في الجرد نظرًا لعدم الاقبال خصوصًا ان منطقة وسط المتن تكشفت عن اكثر من مفاجأة ضد مصلحة لحود. اما في بكفيا وضواحيها فقد قالت هذه الأخيرة نعم كثيفة للشيخ أمين الجميّل. وتجدر الإشارة هنا الى ان أهالي راس الدكوانة قاطعوا هذه الانتخابات وامتنعوا عن الذهاب الى أقلام الاقتراع وممارسة التصويت وذلك احتجاجًا على اهمال المسؤولين لهم وعدم انصافهم مما لحق بهم من ضرر خلال الحوادث التي وقعت بين الفدائيين الفلسطينيين والكتائب في تلك المنطقة.
ويعود هذا الانتصار الذي حققته الكتائب الى مجموعة عوامل رئيسية تحكمت وقتذاك بالعملية الانتخابية: مساندة الرئيس كميل شمعون "للماكينة" الكتائبية التي نزلت الى الساحة بعناصرها كافة. ضعف الاقبال على صناديق الاقتراع، ما يدل على عدم حماسة الناخبين الذين ارتأوا الوقوف على الحياد نظرًا لان المعركة كانت تدور بين فريقين صديقين. غياب الحزب السوري القومي الاجتماعي عن مشهد المعركة الانتخابية. ارتداء المعركة طابع عرض العضلات اكثر من ارتدائها طابع المعركة العامة. وقوف الكتائب، وتحديدًا امين الجميل، الى جانب أهالي رأس الدكوانة الذين تعرضوا لهجوم مسلّح من قبل الفلسطينيين القاطنين في مخيم تل الزعتر بالقرب منهم. وامام غياب الدولة عن حماية مواطنيها، ظهرت الكتائب وبصورة خاصة أمين الجميّل ، وبحكم كونه ابن رئيس حزب مسيحي، وكأنه في موقع المدافع الأول عن سكان منطقته. لعبت هذه الصورة دورًا محوريًا في تحديد خيارات الناخبين، خاصة في منطقة ساحل المتن.