المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الجمعة 12 كانون الاول 2025 08:50:29
تشهد العلاقات اللبنانية – العُمانية تحولاً واضحاً نحو مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، في ظل رغبة مشتركة لدى بيروت ومسقط في تعزيز الشراكة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. وقد شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون إلى سلطنة عُمان محطة مفصلية في هذا المسار، لما حملته من دلالات سياسية واقتصادية، تضع أسساً لمسارات تعاون واسعة، قد تُترجم مشاريع ملموسة.
فبين رؤية عمانية هادئة وطموحة لتنويع مصادر الدخل، وحاجة لبنانية ملحة إلى شركاء اقتصاديين موثوقين، يبدو أن العلاقة بين بيروت ومسقط أمام مرحلة جديدة من التكامل الاقتصادي.
صحيحٌ أن السوق العُمانية صغيرة مقارنة بدول الخليج الأخرى، بيد أن موقع السلطنة الجغرافي، واستقرارها السياسي، ورؤية قيادتها القائمة على تنويع الاقتصاد والانفتاح المدروس، جعلتها وجهة استثمارية جاذبة لعدد متزايد من الشركات اللبنانية. في المقابل، يبحث لبنان، في ظل أزمته الاقتصادية، عن شراكات عربية مستدامة، وعن بيئة آمنة لتوسيع صادراته الصناعية والخدماتية.
من هنا، تكتسب زيارة الرئيس عون أهميتها؛ فهي تأتي في لحظة تحتاج فيها بيروت إلى دعم اقتصادي نوعي، وتبحث فيها مسقط عن شركاء يرفدون خططها في مجالات السياحة والخدمات والصناعات التحويلية والتعليم والتكنولوجيا.
بلغة الأرقام، تُشير البيانات التجارية إلى أن التبادل الاقتصادي بين البلدين آخذ في النمو بوتيرة ثابتة. فقد ارتفع حجمه في النصف الأول من عام 2025 بنسبة 29.4% ليبلغ نحو 22,2 مليون دولار. كما تجاوز عدد الشركات اللبنانية العاملة في السلطنة 1035 شركة حتى أيلول/سبتمبر 2025، برأسمال مستثمر يزيد على 191,5 مليون ريال عماني (نحو 497,9 مليون دولار).
تسهيلات عُمانية
يبرز رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير أن التعاون الاقتصادي بين البلدين شهد زخماً ملموساً بعد جائحة كورونا، حين قاد وفداً لبنانياً كبيراً إلى عُمان، وحصل على سلسلة من التسهيلات للمستثمرين اللبنانيين، شملت الإعفاءات الضريبية والإقامة الذهبية والحقّ في التملك.
ويكشف شقير لـ"النهار" أنه بعد زيارة الهيئات الاقتصادية إلى السلطنة، أسس ما بين 15 و20 مستثمراً لبنانياً مصانع هناك، خصوصاً تلك التي تستهدف السوقين السعودية والخليجية عبر التصدير، مستفيدين من موقع عُمان كمركز لوجستي، ومن انفتاحها على الاستثمار الصناعي.
ويشدد شقير على "تميز السلطنة باستقرار سياسي وتسهيلات حكومية سخية وإجراءات دخول مبسطة للبنانيين، ما يجعلها بيئة جاذبة للاستثمارات الصناعية"، مشيراً إلى وجود "علامات لبنانية معروفة تعمل في السلطنة منذ سنوات، مثل ’باتشي‘". لكنه يجزم أن القطاع الصناعي هو الأكثر قابلية للنمو، لقدرته على الاستفادة من التصدير، ومن الحوافز العُمانية الموجهة للصناعيين الجدد.
سياسة نمو هادئ ومدروس
من جهته، يقدم رئيس مجلس الأعمال اللبناني – العُماني شادي مسعد صورة أكثر تفصيلاً عن الحضور الاقتصادي اللبناني في عُمان، كاشفاً أن عدد الشركات اللبنانية هناك يناهز ألف شركة، "موزعة على قطاعات متعددة، من التجارة إلى النفط والأمن والصناعة".
ويذكر مسعد مثالاً بارزاً على الاستثمارات اللبنانية في السلطنة، وهي شركة صاروج للإنشاءات المملوكة للبنانيين سيمون كرم وغازي حلو. كما يشير إلى أن عدداً من اللبنانيين نال الجنسية العُمانية، ويساهم بفاعلية في الحياة الاقتصادية هناك.
ويؤكد مسعد لـ"النهار" أن السوق العُمانية ليست كبيرة، "فالسلطنة تتجنب التحول إلى نموذج شبيه بدبي، بل تعتمد سياسة نمو هادئ ومدروس. ومع ذلك، حققت تقدماً ملحوظاً في السياحة والزراعة والصناعة والثروة السمكية، خصوصاً مع امتلاكها أطول الشواطئ العربية وإطلالتها الواسعة على المحيط. كما أدى اللبنانيون دوراً مهماً في القطاع السياحي العُماني، سواء بالاستثمارات أو بالتدفق المتزايد للسياح اللبنانيين إلى السلطنة".
أما بالنسبة للاستثمار اللبناني الجديد، فينصح مسعد بالتركيز على الخدمات الاستشارية، في ظل المنافسة الشديدة من اليد العاملة ورجال الأعمال الهنود في القطاعات الإنتاجية منخفضة الكلفة. لكن مسعد يكشف، على الرغم من هذه المنافسة، أن العُمانيين يحبون اللبنانيين ويفضلون المنتج اللبناني، وينقل عن أحد رجال الأعمال استعداده لإنشاء "مول لبنان" في مسقط، يضم حصراً منتجات لبنانية، تقديراً للمكانة التي يحتلها الإنتاج اللبناني في نفوس العُمانيين.