المصدر: المدن
الكاتب: زينب زعيتر
الثلاثاء 3 حزيران 2025 00:58:43
شغلت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الرأي العام اللبناني، منذ لحظة تعيينها قبل حوالى الخمسة أشهر. لم يكن الأمر محصورًا بموقعها الديبلوماسي فقط، بل تعداه إلى الجدل الذي رافق مسيرتها، كونها إعلامية وملكة جمال سابقة، إضافة إلى علاقتها المتأرجحة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعادها إلى المشهد السياسي رغم الخلافات السابقة بينهما.
المؤكد أن مرحلة أورتاغوس في لبنان، ربمّا مثلت ذروة المواجهة الإعلامية والسياسية الأميركية مع "حزب الله"، وخصوصاً في مرحلة ضعف الحزب، لتنتهي اليوم لصالح مقاربة من نوع مختلف، تواكب تحولات المنطقة وخصوصاً أمام التطورات الحاصلة في سوريا وبات المشهد السوري يحظى بالأولوية لدى الإدارة الأميركية، واحتمالات فتح الباب أمام تسوية محتملة مع إيران.
تبدّل الأولويات لصالح سوريا
وفي سياق التحولات الإقليمية والدولية، تشير مصادر مطلعة لـ"المدن" إلى أن الإدارة الأميركية دخلت مرحلة جديدة في تعاطيها مع الملف اللبناني، في ظل إعادة واشنطن صوغ أولويات ترتبط بسوريا أولاً، وهو ما انعكس مؤخراً في سلسلة مواقف وتعيينات، ومن ضمنها التغيير الذي سيطال أورتاغوس، المعروفة بمواقفها الصدامية، والتي وُصفت في الأوساط اللبنانية بأنها كانت "استعراضية وغير دبلوماسية". تغادر أورتاغوس، بينما لا بديل عنها لغاية اليوم، باستثناء ما يتم تداوله عن اسمين مطروحين، وهما المبعوث السابق الخاص إلى سوريا، السفير جويل ريبورن، والموفد الأميركي إلى سوريا توماس باراك، على الرغم من أن كلا الإسمين يرتبط عمله بالملف السوري.
شلل دبلوماسي
ولبنان وسط هذه التحولات، يبدو خارج دائرة الأولويات المباشرة، وهنا تتحدث المصادر عن السيناريو الأكثر سوءاً، ما يضاعف القلق من أن المرحلة المقبلة قد تحمل مزيداً من التدهور، في ظل فراغ وشلل دبلوماسي، واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية، وغياب أي تصور أميركي واضح لما بعد أورتاغوس.
فحين تعينت أورتاغوس، اعتُبر ذلك مؤشراً على نية إدارة ترامب التصعيد في الملف اللبناني، لا سيما في ظل نقاش داخلي متصاعد حول سلاح الحزب، وقبيل استحقاقات حاسمة كالتجديد لولاية "اليونيفيل"، وتوسع المطالب الإسرائيلية بالدور الأمني جنوباً. وبينما كان لبنان الرسمي يتحضّر لزيارتها المرتقبة، جاء القرار الأميركي بإقالتها ليخلط الأوراق ويعيد ترتيب المشهد، لا سيما في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به البلاد.
بالموازاة، يأتي هذا التطور فيما لجنة المراقبة الأمنية لوقف الخروقات الإسرائيلية، لا تزال عاجزة عن تحقيق أي خرق في جدار الأزمة اللبنانية، ومع تراجع فاعلية "اليونيفيل"، ما يزيد المخاوف من أن يكون لبنان مقبلًا على مزيد من التدهور في ظل غياب رؤية واضحة من واشنطن، كما تؤكد المصادر.
مقاربة أورتاغوس الصدامية
وفي إطار التحليلات المستمرة لخبر الإقالة، مصادر سياسية مطلعة أكدت أن الإقالة تعكس تغيّراً أعمق في استراتيجية واشنطن تجاه لبنان، خصوصاً بعدما فشلت المقاربة التصادمية التي مثلتها أورتاغوس في تحقيق أهدافها. فقد جاء تعيينها في لحظة اعتُبرت حرجة بالنسبة لـ"حزب الله"، وكان المقصود به تكثيف الضغوط السياسية والعسكرية على الحزب. إلا أن المعطيات الميدانية تغيّرت، ونجح الحزب في ترسيخ موقعه داخل الحكومة، ما أفقد تلك الاستراتيجية فاعليتها. وكذلك تراجع قدرة إسرائيل على فرض وقائع جديدة في لبنان، في ظل عجزها عن تثبيت تغييرات عبر الخروقات أو التهديدات، ما انعكس على جدوى المقاربة الأميركية التصعيدية.
تضيف المصادر أن الإدارة الأميركية تدرك جيدًا حساسية التوازنات اللبنانية، وأن خيار فرض تسويات كبرى، مثل نزع سلاح حزب الله أو فرض تطبيع مع إسرائيل، غير واقعي في الظروف الحالية. كذلك، لا يبدو أن واشنطن مستعدة لخوض مغامرة قد تُشعل حربًا أهلية، وهو ما يجعل من التصعيد غير المجدي خطرًا على مصالحها.
وبين كل هذه المعطيات، جدير التوقف عند الأداء الشخصي لأوروتاغوس الذي قد يكون ساهم أيضًا في استبدالها، إذ دخلت في خلافات حادة مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، من بينهم قائد الجيش العماد رودولوف هيكل، ونُقل عنها في أحد المجالس الخاصة قولها بأن هيكل "شخصية غير محببة في الإدارة الأميركية"، وأحرجت رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في تصريحها الشهير الذي أدلت به من قصر بعبدا، كما نشب بينها وبين رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط، الحليف التقليدي لواشنطن، صدام سياسي غير مسبوق، في أداء وُصف بـ"الصيباني".
تغذية أجواء التصعيد
وفي الشكل أيضاً، فإنّ أول ظهور إعلامي لأورتاغوس في لبنان ترافق مع ارتدائها نجمة داوود، وسرعان ما بدأت تفرض أسلوبها الخاص، فكانت تصدّر المواقف وتستبق تحركاتها بتسريبات وتوجيهات، وتدير شبكة علاقات ضيقة ومؤثرة في الكواليس اللبنانية. كما اتُهمت بتغذية أجواء التصعيد قبيل زياراتها، وكأنها تمهّد لمبررات تحرك إسرائيلي في الجنوب.
ورغم هذا الحضور القوي، جاءت تنحيتها المفاجئة من دون تمهيد، وسط تكهنات متضاربة: فهناك من ربطها برسالة أميركية مبطّنة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سياق التفاوض الجاري، وآخرون تحدّثوا عن منصب جديد ستتولاه أورتاغوس ولهذا تم تنحيتها عن الملف اللبنانية، فيما رأى البعض في الخطوة مؤشرًا على أولوية الملف السوري على حساب الملف اللبناني.
حظوظ ريبورن
وإثر قرار إبعاد أورتاغوس، تُعد حظوظ جويل ريبورن الأوفر، ليكون خليفة لها. العسكري الذي خدم لمدة 26 عاماً كضابط في الجيش الأميركي، الذي هندس دراسة عملية تحرير العراق التابعة للجيش الأميركي. ديبلوماسي سابق ومؤرخ، استطاع أن يجمع بين الأدوار العسكرية والأكاديمية والدبلوماسية في مجموعة متنوعة من المهام المتعلقة بشكل رئيسي بالشرق الأوسط وجنوب آسيا. أمّا أبرز ما في مسيرة الموفد المرتقب، أنه شغل لسنوات منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، حيث أشرف على الأنشطة الدبلوماسية الأميركية المتعلقة بسوريا. كما شغل حتى العام 2020، منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون "بلاد الشام"، ومسؤولاً عن تنفيذ السياسة الأميركية المتعلقة بسوريا والأردن ولبنان. وفي حال صدقت التوقعات، سيدخل ريبورن على حقبة جديدة من وجه الشرق الأوسط من البوابة السورية بعد سقوط نظام الأسد، وما لهذه التبعات من ارتدادات على مستوى لبنان.
واللافت أن توقيت الإقالة فاجأ حتى المقربين من دوائر السفارة الأميركية، التي علمت بالقرار من وسائل الإعلام، بحسب ما أفادت مصادر مطلعة، مما يزيد من الغموض حول خلفيات الإقالة. مرحلة أوروتاغوس انتهت، ومعها انتهى أسلوب المواجهة الحادة.
وفي انتظار تبلور الصورة، يبقى مصير الملف اللبناني في الإدارة الأميركية محاطًا بعلامات استفهام، وسط قلق لبناني متزايد من أن تنحي أورتاغوس لا يحمل في طياته أي انفراج مرتقب، بل ربما العكس تمامًا، إلى حين أن يصدر توضيح مغاير لهذا الحدث الذي جاء في توقيت حساس ومفتوح على كل الاحتمالات.