أول انتخابات منذ سقوط نظام الأسد.. عضو في اللجنة العليا للانتخابات: مجلس الشعب سيعكس صورة سوريا بعد التحرير

قبل أيام من انتخابات مجلس الشعب المقررة الأحد المقبل، يترقب الشارع السوري حدثاً سياسياً يعتبره كثيرون محطة مفصلية في مسار التحول الديمقراطي. فهذه الانتخابات الأولى منذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لا تأتي كاستحقاق دوري اعتيادي فحسب، بل كخطوة يُعوَّل عليها في إعادة صياغة المشهد التشريعي وإتاحة المجال أمام قوى اجتماعية وسياسية جديدة لتتصدر العمل البرلماني.

الأجواء المحيطة بالانتخابات، وما رافقها من حراك انتخابي، ومن فتح باب الطعون، أثارت أجواء عن اختلافات جوهرية لهذه الدورة عن التجارب السابقة التي ارتبطت في أذهان السوريين بغياب التمثيل الحقيقي، وسجّلت تغوّلاً للسلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية على صناديق الاقتراع.

في هذا السياق، تحدث حسن دغيم، عضو اللجنة العليا للانتخابات، لـ"النهار" عن الضمانات والآليات، وعن شروط الترشح وتمثيل المكوّنات، كاشفاً عن ملامح جديدة يصفها بأنها تختلف جذرياً عمّا عاشه السوريون خلال العقود الماضية.

+إلى أي درجة تتوقعون أن يكون المشهد الانتخابي هذه المرة مختلفاً عن انتخابات النظام السابق؟
المشهد مختلف كلياً عن النظام البائد. لم تعد هناك أجهزة مخابرات أو فروع أمنية تتدخل في تفاصيل العملية، ولا حزب بعث يفرض قوائم مسبقة على المجتمع. اليوم، هناك حرية واسعة في الاختيار، سواء للمرشحين أو للناخبين، وستشهد المدن الكبرى مثل دمشق وحلب واللاذقية منافسات انتخابية حقيقية للوصول إلى قبة البرلمان.

+لكن سوريا لم تعرف منذ عقود انتخابات حرة. ما الضمانات لسلامة العملية الانتخابية؟
الضمانات تبدأ من بنية تشكيل اللجان، التي جاءت متنوعة من مختلف المكونات، من المسلمين والمسيحيين، من العرب والأكراد والتركمان، من الشباب والكبار، من أبناء المدن والأرياف. هذا التنوع يحقق تمثيلاً أقرب إلى الرأي العام. إضافة إلى ذلك، فإن الرقابة الإعلامية ومرحلة الطعون فتحت الباب للمشاركة الشعبية، حيث أتيح لكل مواطن الاعتراض على الأسماء المشكوك في نزاهتها، وقد استُبعدت بالفعل بعض الشخصيات بعد دراسة الأدلة المقدّمة ضدها.

+ما هي الشروط الجديدة التي يتعين على المرشحين التمتع بها؟ وهل استُبعد أعضاء المجالس السابقة؟
من أهم الشروط النزاهة والصدق، إلى جانب التأثير الاجتماعي أو التخصص العلمي الذي يمكّن المرشح من تمثيل شريحة أو منطقة بعينها. أما بالنسبة إلى أعضاء مجلس الشعب السابق في عهد النظام البائد، فقد تم استبعادهم بشكل نهائي، لأن تلك المرحلة ارتبطت في الذاكرة الشعبية بتزييف الوعي والتواطؤ مع السلطة ضد السوريين.

+مرحلة الطعون كانت من أبرز المراحل. كيف جرت هذه العملية؟
بعد إعلان أسماء أعضاء الهيئات الناخبة، فُتح باب الطعون أمام الجميع. أيّ مواطن كان له الحق بالتوجه إلى المراكز العدلية ولجان الطعون القضائية. جرت دراسة الملفات والأدلة، وتم استبعاد بعض الأسماء. الأعداد لم تكن ضخمة، بل تراوحت بين مئة إلى مئة وخمسين اسماً فقط. والأهم أن قرارات لجان الطعون كانت نهائية وملزمة للجنة العليا للانتخابات، ما عزّز ثقة الشارع بالعملية.

+ماذا عن تمثيل المكوّنات الدينية والاجتماعية داخل المجلس؟
النظام الانتخابي الموقت لم يعتمد المحاصصة الطائفية أو العرقية، باستثناء تخصيص 20% من المقاعد للنساء أثناء تشكيل الهيئات. ومع ذلك، تمت مراعاة التنوع الديني والثقافي والمذهبي، من المسلمين والمسيحيين إلى الأقلية اليهودية في سوريا. أما بالنسبة إلى السويداء والحسكة والرقة، فقد تأجلت الانتخابات فيها لغياب البيئة الآمنة، مع الاحتفاظ بمقاعدها إلى حين توفر الظروف المناسبة.

+في ضوء كل هذه الإجراءات، كيف تقيمون هذه التجربة؟
لا يمكن القول إنها انتخابات ديمقراطية مثالية، فالديمقراطية نسبية وتختلف من بلد إلى آخر ومن ظرف إلى آخر. لكن إذا قسناها بما عاشه السوريون طوال العقود الماضية، فهي بلا شك خطوة متقدمة في مسار التحول الديمقراطي، وبداية جديدة لمسار برلماني أكثر تمثيلاً للناس.

+كيف تم التعامل مع محافظتي الحسكة والرقة؟ وهل من موعد مرتقب بشان المقاعد الشاغرة لمحافظة السويداء؟

 بالنسبة إلى محافظات الحسكة والرقة والسويداء، ونظراً لكونها تخضع لسلطات الأمر الواقع، فقد تقرر أن تبقى حصتها من مقاعد مجلس الشعب محفوظة إلى حين توفر الظرف المناسب لإجراء العملية الانتخابية فيها. عدد هذه المقاعد ثلاثة، وهي تبقى مخصصة لأبناء هذه المحافظات حصراً، غير أن ذلك لا يمنع من احتمال أن يُمارس الرئيس صلاحياته الدستورية في تعيين بعض الأعضاء؛ الأمر الذي قد يشمل شخصيات من الرقة أو الحسكة أو السويداء، وهو أمر متوقع.
أما المقاعد الأصلية المنصوص عليها في النظام الانتخابي الموقت، فستظلّ محفوظة لأبناء هذه المحافظات إلى أن تُجرى الانتخابات في ظروف آمنة وحيادية ونزيهة.

+يراقب المجتمع الدولي سوريا من كثب، إلى جانب الدعم الكبير الذي تحصل عليه السلطات من جهات دولية عدة. هل ترون أن الانتخابات ستكون دليلاً إضافياً للعالم أن سوريا الجديدة انطلقت ولا رجعة عنها؟

 عن مؤشرات هذه الانتخابات وانعكاسها على المشهد السوري الجديد، يمكن القول إن مجلس الشعب يُعدّ مؤسسة تشريعية تأسيسية ومصلحة وطنية عليا. فخلال العقود الستة الماضية لم يكن لهذا المجلس الدور الفعلي المطلوب، إذ اقتصر حضوره على التصفيق والمصادقة الشكلية. لكن السوريين اليوم يتطلعون إلى مجلس شعب مختلف، يكون صوتهم الحقيقي في صناعة القرار العام، وفي صياغة التشريعات، والمشاركة في رسم المشهد السياسي الوطني.

إن انعقاد مجلس شعب فعّال وذي صلاحيات حقيقية سيعكس صورة سوريا ما بعد التحرير؛ سوريا التي تسعى لتحقيق تقدم ملموس في الحريات الفكرية والسياسية والإعلامية، وتعزيز دور الشعب والرأي العام في الحياة العامة. ومن شأن ذلك أن يجعل من المجلس منصة أساسية لبلورة صوت المواطنين ضمن إطار القرار الوطني بصورة أكثر فاعلية ورسمية.