أيلول 2025 نقطة النهاية لمسار إنقلابي بدأ في أيلول 1983...رئيس الجمهورية يثأر لشرعية الدولة

تحفل ذاكرة الشعوب بالعديد من الأحداث المفصلية التي تشكّل نقاط تحوّل حاسمة. بيد أنّ تصادف تواريخ بعض هذه التحوّلات ما بين الماضي والحاضر يحمل رمزيّة مكثفة، ولا سيّما حينما يكون المتغيّر الراهن معاكسًا تمامًا لذاك الذي حصل سابقًا، فيصير بمثابة ثأر بمفعول رجعي.

في معركة استرداد قرار الدولة وتطبيق «اتفاق الطائف»، التي يقودها رئيس الجمهورية بالشراكة مع رئيس الحكومة، تشاء الصدف اختيار شهر أيلول لإقرار الخطة التي يعكف الجيش اللبناني على إعدادها لسحب السلاح غير الشرعي بمختلف هويّاته ومسمّياته، والبدء بتنفيذها بشكل عملاني.

هذه الصدفة الزمنية تمنح الرئيس جوزاف عون، ابن المؤسسة العسكرية وقائدها لسنوات، بما تمثل من أبرز رموز الشرعية ومعناها، أفضلية الثأر لشرعية الدولة والمؤسسة العسكرية من انقلاب رسمت خطوطه العريضة في طهران، وصدّق عليها في دمشق، يميط اللثام عنه الدكتور خالد الحاج في كتابه الصادر مؤخرًا عن العلاقات اللبنانية – الإيرانية «من بلاط الشاه إلى ضاحية بيروت»، بالاستناد إلى وثائق سريّة ومعلنة.

ذاك الانقلاب بدأ في 2 أيلول 1983، الذي يصادف أنه التاريخ المقرّر لجلسة مجلس الوزراء لإقرار خطة الجيش، مع دعوة «حزب اللّه» الحديث العهد حينها، إلى تنظيم تظاهرة في بعلبك، وصلت إلى ثكنة «الشيخ عبد الله»، ووزّعت ورودًا على ضباط الجيش وعناصره.

والحال أنّ التظاهرة التي دعا إليها «الحزب» نفسه يوم الأربعاء في ساحة رياض الصلح، ثم عاد وتراجع عنها، تشكّل رسالة للدولة تجمع بين رمزية التجمّعات الممهّدة لـ «غزوة 7 أيار 2008»، وروح تظاهرة أيلول ذاك، والتي ألقى فيها السيد حسن نصراللّه كلمة قال فيها «أتينا إلى الثكنة بلا رصاص ولا سلاح لأننا لا نريد أن نقتل إخوتنا هنا»، أتبعها بالطلب من الجنود عصيان الأوامر السياسية وخدمة الشعب، حسب تعريف نظام آيات الله للشعب طبعًا.

في لحظة مبكرة من مسيرته، أظهر «الحزب» أنه انقلابي ينكث بالعهود التي يقدّمها، على عكس ما يروّج عن نفسه ويتّهم به الآخرين، وسارع إلى استخدام سلاحه في الداخل وضدّ الشرعية بعدما نفّذ في اليوم التالي، 3 أيلول، هجومًا مسلّحًا لاحتلال ثكنة «الشيخ عبد الله»، وتحويلها إلى «مركز لتدريب المؤمنين»، مدعومًا من تشكيلات الحرس الثوري التي أرسلها الإمام الخميني لتكون طليعة تصدير الثورة ضمن مشروع نظامه التوسّعي، وغَنِمَ من جيش بلاده جميع الأعتدة العسكرية والآليات الموجودة. ليخرج بعدها السيد عباس الموسوي في مؤتمر صحافي قائلًا إن «احتلال ثكنة الجيش هو خطوة من خطوات مواجهة الدولة اللبنانية، وتندرج ضمن خانة الحرب المفتوحة على القواعد الأميركية في المنطقة».

استرجاع وقائع تلك اللحظة يعطي فكرة وافية عن توجّه «الحزب»، بقرار من الملالي، حيث يُعاد إنتاج كلمات نصراللّه ضمن مسار انقلابيّ متدرّج، يبدأ باستقلالية قرار الجيش عن السلطة الإجرائية، ويمرّ بطلب التمرّد على الأوامر، والسعي لانشقاق ضباط وعناصر ينتمون إلى المذهب الشيعي. ليصِل إلى التورّط في مواجهة عسكرية معه، يُمهّد لها بإعادة تدوير كلام عباس الموسوي.

يدرك الرئيس جوزاف عون هذا المسار الانقلابي المتشكّل وما حُفّ به من مخاطر. وفي ظلّ الثبات على قرار الدولة بحصرية السلاح، كما يؤكّد في مواقفه لتوجيه رسالة حاسمة لكلّ من يعنيه الأمر في الداخل والخارج، فإنه لا يني عن المحاولة الكرّة تلو الكرّة، لاحتواء التوتر السياسي المفتعل، والحدّ من تداعيات عملية حصر السلاح وتكلفتها.

فهو يتصرّف من موقعه كرئيس للدولة وليس لفئة، يضع في حسبانه أنّ أيلول 2025 سيكون نقطة النهاية لمسار انقلابيّ بدأ في أيلول 1983، ضمن معركة استرداد قرار الدولة وكرامتها، ويعتبر نفسه مسؤولًا عن حماية الشعب اللبناني بكلّ أطيافه من أثمان الخيارات الكارثية، بما في ذلك جمهور «الحزب». لذا، أوفد مستشاره الجنرال أندريه رحال إلى «عين التينة» و «حارة حريك»، ولم يتوقّف عند التسريبات الإعلامية التي تقف خلفها الآلة الإعلاميّة لـ «الحزب»، ومحاولتها رسم صورة مزيّفة وكأنه ارتكب ذنبًا يريد التوبة عنه.

الضعيف من يواجه واقعًا معاكسًا لطموحاته بالانتحار، ولا يتورّع عن نحر حاضنة معه امتهن استخدامها كدروع بشرية، فيما رجل الدولة الجدّي لا ييأس من السعي لإحداث خرق جدّي في جدار سميك من الجمود الفكري، لقناعته بأنّ الدولة وحدها الحاضنة الآمنة للجميع حتى للمضلّلين الذين يرون فيها خصمًا.