أي حاجات سياسية ولوجستية لإعادة الروح إلى الـ1701؟

ليس هناك ما يمكنه أن يحجز اهتماماً يأتي في صدارة المشاورات السياسية تحت السماء اللبنانية سوى القرار الدوليّ 1701 الذي لا يزال يقف على تخوم انتظار انتهاء المواجهات القتالية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية أقلّه، لكن لبنان برمّته يشخص نحو المنطقة الحدودية التي تحوّلت وجهةً تقرّر مصير وطنٍ ترك كلّ انشغالاته ليبحث عن ترابٍ وماء بهدف إنهاء ذلك الاشتعال الحربيّ الذي لا يزال ناشباً رغم كلّ المحاولات الديبلوماسية التي هدفت خلال الأشهر الماضية لإخماد نيرانه. إنّ تأجيل تطبيق القرار الدوليّ 1701 لم يقلّل من التأكيد الرسميّ على مندرجاته، وهذا لا يزال يتأكد في الموقف السياسيّ المعلن للحكومة اللبنانية مع تحفيزها الحلّ الديبلوماسيّ وأن يكون التنفيذ متوازناً مع اشتراطها أن توقف إسرائيل خروقاتها للقرار وبخاصّة الجويّة . لكن بعيداً عن مجرّد الاكتفاء بالموقف الرسميّ الطامح لتطبيق القرار 1701، هل يحتاج لبنان الى مرحلة زمنية لإنهاء التحضيرات والترتيبات اللوجستية والسياسية قبل مرحلة إعادة التنفيذ أو أنّ في إمكانه بلورته حالياً إن انتهت المعارك القتالية؟ لا يمكن الاستهانة بالمراحل التي لا بدّ للبنان من إنجاز مضامينها على المستويين السياسيّ والعسكريّ قبل أن يكون في مقدوره أن يطلق تطبيق مندرجات القرار 1701، بدءاً من الاحتياجات الضرورية للعمل على تعزيز حضور الجيش اللبنانيّ حيث الحاجة إلى 8 آلاف عنصر إضافيّ حتى تكون ثمة استطاعة تطبيقية للقرار 1701 وفق أجواء حكومية رسمية، لكنّ التدابير التي يجري إعدادها حالياً استقرّت على البحث عن سبل تطويع 6 آلاف عنصر على مراحل.


وتأكّد انطلاقاً من معطيات استقتها "النهار" أن تكاليف العديد الإضافي للجيش اللبناني ومستلزمات قيامه بما عليه لتطبيق القرار 1701 تقدّر بحوالي مليار دولار شمولاً بالعتاد والآليات العسكرية والتدريبات اللوجستية في تأكيد قيادة الجيش لرئاسة الحكومة اللبنانية، لكنّ هذا المبلغ غير متاح حالياً لدى الدولة اللبنانية، التي لا يمكنها والحال هذه أن تنجز هذا الجزء من التدابير المتوخّية تنفيذ القرار 1701 حتى وإن بدأت التجهيز له، إذا لم تحصل على تمويل دوليّ، فيما تأكّد للبنان الرسميّ وجود تحبيذ خارجيّ لعقد مؤتمر دوليّ لكن يبقى تحديد الموعد المناسب لتنظيمه، حيث ثمة تفضيل دوليّ لأن يكون أيّ مؤتمر متلاقياً مع وقف النار أولاً ثمّ مع حلّ ناجع حول وضع الحدود اللبنانية الجنوبية شمولاً بتطبيق القرار 1701 والاتفاق على النقاط الخلافية الخاصّة بترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل. وتؤشّر هذه المعطيات إلى أنّ الوصول للمرحلة الخاصّة بتنفيذ الـ1701 لن يكون خلال برهة خصوصاً أن تلك المرحلة ستكون متزامنة مع نقاط سياسية لا تغفل أولوية التوصّل إلى هدنة في قطاع غزّة ثم لوقف دائم لإطلاق النار ما يجعل المسألة متلازمة مع تطور المفاوضات الخاصّة بالوضع الإقليمي بادئ ذي بدء قبل الانتقال إلى مرحلة تطبيق القرار 1701 الذي تسعى الحكومة اللبنانية لحصوله بطريقة متوازنة بين لبنان وإسرائيل مع المطالبة في أن يوقف الجيش الإسرائيلي خروقاته للأجواء اللبنانية. لكن، ماذا عن القدرة على إقناع محور "الممانعة" بالتوصل للمنطقة الخالية من السلاح جنوب الليطاني؟ إنّ هذه المسألة ليست سانحة حتى الآن.


في غضون ذلك، إن المعطيات التي حصلت عليها "النهار" حول هامش التحضيرات اللوجستية الحالية للجيش اللبناني إن انتهت المناوشات القتالية جنوب لبنان سريعاً تنطلق من التذكير بأنّ الجنوب اللبنانيّ ليس فارغاً من الجنود وسط وجود 4 آلاف عنصرٍ في تلك المنطقة وإن مسألة انتشار الجيش في الجنوب ليست متعلقة بقرار سياسيّ لأنه حاضرٌ أساساً في المنطقة ولا بدّ من تطوير عديده. لكن ما يحتاج إلى وجود قرار سياسيّ هو تنفيذ مندرجات القرار الدوليّ 1701 وتالياً أن يعطى الجيش القرار السياسي الخاصّ بتنفيذ ما ينصّ عليه القرار 1701. توازياً، تحتاج النقاط اللوجستية لأشهر عدّة لتبلغ مرحلة البلورة إن توفّر التمويل اللازم فيما لا بدّ أيضاً من تقوية المراكز العسكرية، لكن ثمة ارتياحا فحواه أنّ بداية تنظيم الانتشار النوعيّ للجيش اللبناني على الحدود اللبنانية الجنوبية كانت انطلقت منذ عام 2006، وقبل ذلك لم يكن هناك من عديدٍ في إمكانه التأثير على المعادلة جنوباً حيث كان الاكتفاء بوجود فريق أمنيّ مشترك مع قوى الأمن الداخلي. لوجستياً، إن تعزيز دوريات الجيش اللبنانيّ وعناصره مسألة تحتاج لأشهر عدّة على الأقلّ شرط الحصول على تمويل لتدريب الجنود ودفع رواتبهم ولوازمهم حيث الانتظار سيبقى على حاله ليكون في الإمكان الحصول على مساعدات دولية إضافةً إلى الإجراءات الخاصّة بوزارة المال. وكانت الحكومة اللبنانية قد بدأت مع قيادة الجيش التجهيز لتطبيق القرار 1701 عبر الموافقة على تطويع 1500 عنصر من الجيش اللبنانيّ، لكن هذه المسألة التي بدأت لا بدّ أن تقوّى مادياً وسياسياً حتى إنجاز كلّ المراحل وتطويع 6 آلاف جنديّ.


ولوحظ أن ثمة أجواء عسكرية لبنانية تحاول التلميح أيضاً الى "اليونيفيل" خلال الحديث عن الموضوع حالياً. وفيما هناك خصوصية أيضاً لـ"اليونيفيل" في تنفيذ القرار 1701، لكن حقيقة حاجة الجيش اللبناني للمساعدات أكّدتها التصريحات شمولاً بمهمة تنفيذ القرار 1701. وحتى إذا كانت الالتزامات الوطنية والخارجية تحفّز البحث عن سبل لبنانية لمواكبة اليوم التالي من انتهاء المناوشات الحربية، لكن لن يكون في مقدور الجيش اللبنانيّ تطبيق مندرجات القرار 1701 من دون قرار سياسيّ تأخذه القوى السياسية الأساسية الحاكمة في لبنان ومن دون مساعدات مالية غير متاحة حالياً.