إجتماع باريس: الجيش مستعد للمرحلة الثانية لكن القرار سياسي

بين احتمالات التصعيد المفتوح ومحاولات إحتواء الانفجار، يتحوّل إجتماع باريس في الثامن عشر من الشهر الحالي، والذي هو تحضير لمؤتمر دعم الجيش، إلى نقطة تقاطع إقليمية حسّاسة، يأخذ فيها الملف اللبناني بعداً استراتيجياً، ويتقدّم الحساب الدولي على الوقائع الميدانية. ففي لحظة إقليمية ضاغطة، تختبر فرنسا قدرتها على الإمساك بدور فاعل في لبنان، لا من موقع إنتاج تسوية جاهزة، بل من باب تثبيت الحضور ومنع الانكفاء، في ظل مسار سياسي أمني معلّق على إستحقاقات إقليمية كبرى.

 حضور فرنسي بلا تعهّدات
في هذا السياق، يكتسب إجتماع باريس بعداً يتجاوز طابعه التقني، إذ يشكّل الإطار الذي سيحمل إليه قائد الجيش العماد رودولف هيكل عرضاً شاملاً لكل ما يجري خارج السياق التقليدي في الداخل اللبناني وفي محيطه الإقليمي، وسط أجواء عامة غير مريحة وحسابات دولية دقيقة. ويأتي هذا الاجتماع عشية إجتماع الميكانيزم في التاسع عشر من الشهر الحالي، وهو الاجتماع الثاني الذي يترأس فيه السفير سيمون كرم الوفد اللبناني، بعد إجتماع أول إتسم بطابع إستكشافي، فيما يُنتظر أن يكون الاجتماع الثاني قد شهد بناء إستراتيجية تفاوضية أكثر وضوحاً.

التفاوض أو الضربة
تكشف أوساط ديبلوماسية للمدن أن الأنظار تتجه في هذا الإطار إلى التاسع والعشرين من الشهر الحالي، موعد القمة المرتقبة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي يُفترض أن تحدد إتجاه المرحلة المقبلة: إما الذهاب نحو ضربة مزدوجة ومتزامنة لإيران وحزب الله، محدودة زمنياً لكنها تدميرية وقاسية، أو الانتقال إلى ضغط غير مسبوق يفضي إلى توسيع دائرة المفاوضات، وربما إلى مسار يشبه مفاوضات 17 أيار. وفي ضوء هذه الاحتمالات، يبدو إجتماع باريس أقرب إلى محطة لتثبيت الحضور الفرنسي، في ظل غياب نية دولية حتى الآن لتأمين دعم فعلي للجيش اللبناني.
يشارك قائد الجيش العماد رودولف هيكل في إجتماع باريس، حاملًا ملفاً أمنياً وعسكرياً ثقيلاً، سيضعه أمام المجتمعين من دون مواربة. وفق معلومات خاصة للمدن، سيعرض العماد هيكل المهام التي ينفذها الجيش على كامل الأراضي اللبنانية، من مكافحة المخدرات والإرهاب، إلى ضبط الحدود ومواجهة الجريمة المنظمة، مدعّماً عرضه بتقارير وأرقام ووثائق. كما سيضيء على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الجيش جنوب الليطاني، مؤكداً التزام لبنان باتفاق وقف الأعمال العدائية، في مقابل إستمرار إسرائيل في الانتهاكات والاعتداءات والاحتلال وعدم الالتزام بالقرار 1701. وهو سيشدد على التذكير بالقرارات الدولية، ولاسيما القرار 1701 ومندرجاته، وما يتضمن في مقدمته من تأكيد على كل القرارات الدولية ذات الصلة، والتي لا تلتزم بها إسرائيل كلها.

وسيشير العماد هيكل إلى أن هذه العوامل تعيق إستكمال الجيش مهامه، لكنه في الوقت نفسه، سيؤكد عزم الجيش على الانطلاق إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة في العام الجديد، مع مراعاة الظروف السياسية أولاً والتقنية العسكرية ثانياً. وسيقدّم عرضاً تفصيلياً لما نُفّذ في الجنوب، متناولاً ملف الأسرى، وحاجات الجيش من عتاد وعديد وأسلحة وذخائر، وما يتطلبه بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.

لكن تنفيذ حصر السلاح بموازاة الاحتواء الذي يحصل منذ اليوم الاول على تنفيذ خطة الجيش شمال الليطاني، يبقى رهن القرار السياسي، في ظل تأكيد حزب الله أنه لن يتعاون ولن يسلّم السلاح. لذا وفي حال سئل قائد الجيش في إجتماع باريس عن مرحلة شمال الليطاني، سيقول إن القرار بيد السلطة السياسية، ليبني على أساسه تحركه. مع العلم أن الخطة بتفاصيلها جاهزة في الشمال كما هي في الجنوب.

دعم الجيش مؤجّل 
توضح مصادر فرنسية للمدن أن لا مواعيد لعقد مؤتمر دولي لدعم الجيش حتى الآن، أو أقله قبل حسم القرار السياسي المتعلق بسلاح حزب الله، على رغم المشاركة الأميركية والالسعودية مهمة في إجتماع باريس عبر الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس والموفد السعودي الامير يزيد بن فرحان. "فمؤتمر دعم الجيش لا يزال بعيد المنال، إذ يعتبر نزع السلاح على كامل الأراضي اللبنانية العقدة الأساس أمام أيّ دعم، خصوصاً مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية التي قد تُحسم إتجاهاتها في إجتماع نتنياهو ترامب أواخر الشهر الحالي."

في كل الاحوال، تسعى فرنسا من خلال إجتماع الثامن عشر من الجاري إلى أن تكون حاضرة بقوة في لبنان، أكان على مستوى الدور السياسي من خلال متابعة تطور عمل الميكانيزم بعدما تقدم الدور السياسي فيها على العسكري، أو على صعيد إعادة تثبيت موقعها في لبنان أو إيجاد موقع لها مقابل تقدم الدور الاميركي على ما عداه، مع الأخذ بعين الاعتبار التحذيرات الإسرائيلية والضغط الإقليمي. كما أبلغت آن كلير لوجاندر مستشارة الرئيس الفرنسي المسؤولين اللبنانيين حول جدية مهلة نهاية العام، فيما شدّد الموفد جان إيف لودريان على هذه التحذيرات في زيارته الأخيرة إلى بيروت.

أوروبا وموقعها في المتوسط 
على خط موازٍ، تحضر الحسابات الأوروبية، حيث تبحث فرنسا إلى جانب إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا عن دور على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، في ظل مخاوف من تمدّد النفوذ الروسي، وضمن نقاشات تشمل بدائل محتملة لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان. وعلى رغم مشاركة أميركية وسعودية وازنة في إجتماع باريس، تؤكد المصادر الفرنسية أن مؤتمر دعم الجيش لا يزال بعيداً، فيما تحاول باريس، في سباق مع الوقت، منع الانزلاق إلى التصعيد وفتح نافذة تهدئة، مستندة إلى ما سيعرضه قائد الجيش، والحفاظ على حضورها وحضور الأوروبيين في لبنان، أياً تكن المظلة المعتمدة، معوّلة على ما يمكن أن يحققه إجتماع باريس من خرق، يمكن أن يساعد في إقناع الاميركيين، ومعهم السعوديون، بأهمية ألا يُترك الجيش اللبناني بلا سند.