المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الثلاثاء 9 كانون الاول 2025 07:21:32
بعد سنوات من التساهل والفراغ الرقابي الذي كبّد الدولة خسائر ضخمة، يشهد لبنان حاليا واحدة من أوسع المحاولات الحكومية لإعادة ضبط النظام الضريبي وإقفال الثغر التي سمحت، لسنوات طويلة، بتهرب واسع النطاق وتراكم مستحقات غير مسددة على آلاف الشركات. ويأتي هذا النهج في سياق سعي الدولة إلى رفع الإيرادات العامة، وتحسين انتظام الجباية، وإعادة الثقة بالمؤسسات المالية والإدارية التي تضررت بفعل الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر الصرف وتراجع قدرة الدولة على تنفيذ القوانين.
وتكشف الإجراءات الأخيرة لوزارة المال، بما في ذلك فرض "الحجر الجمركي" واعتماد التدقيق المتقدم في ملفات الشركات، تحولا واضحا نحو تطبيق أكثر صرامة للقوانين الضريبية. وتلقي الضوء على حجم التهرب الذي تراكم عبر السنوات، وعلى الحاجة إلى مقاربة شاملة لا تقتصر على تحصيل المتأخرات، بل تمتد إلى إصلاح المنظومة الضريبية وتعزيز الرقابة.
الخطوات التي باشرتها وزارة المال، قوامها تشديد الرقابة وفرض التزام القانون. ورغم أن المعالجة التدريجية لملفات التهرب قد تستغرق وقتا، فهي تمثل اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة على إعادة ترتيب النظام الضريبي وتحصيل حقوق الخزينة، بما يفتح بابا لإصلاح أوسع يحتاج إليه الاقتصاد اللبناني.
شركات تتهرب عمدا!
وفق صندوق النقد الدولي، يقدّر حجم التهرّب الضريبيّ بنحو 4.5 مليارات دولار. وهذا الرقم يشمل الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية وضريبة الدخل وغيرها من الرسوم.
وتبعا لما أعلنه وزير المال ياسين جابر في مجلس الوزراء، فإن الوزارة اتخذت قرارا بفرض الحجر الجمركي على عدد كبير من الشركات التي امتنعت عن تسديد ضريبة القيمة المضافة المستحقة عليها. ويوضح لـ"النهار" أن هذا الإجراء يقضي بمنعها من الاستيراد والتصدير إلى حين تسديد المتوجب. وقد شكل القرار صدمة فعلية للقطاع الخاص، إذ دفع خلال 4 أيام فقط نحو 1800 شركة إلى تسديد ما عليها من مستحقات، ما اعتبره الوزير دليلا على "فاعلية هذه الآلية والحاجة إلى اعتماد وسائل ضغط رادعة لضمان الالتزام الضريبي".
وشدد على أن "أي شركة تتأخر لاحقا في تسديد ما يتوجب عليها من ضرائب، ستدرج مباشرة في النظام الإلكتروني، بما يحرمها متابعة نشاطها الجمركي، وهو إجراء يحد من محاولات المماطلة التي اعتادها بعض المؤسسات".
توازيا، كشف جابر عن إعداد الدوائر المختصة في الوزارة ملفات نحو 4500 شركة على أقراص مدمجة، وهي شركات تم درس حساباتها وصدرت أوامر تحصيل بحقها لكنها لم تسدد الضرائب المتوجبة عليها، رغم أنها مسجلة ولديها ملفات واضحة في الإدارة المالية، بما يعني أنها تهربت عمدا من سداد الضريبة.
وبسبب حجم المخالفات وطبيعتها، ستتعامل وزارة المال مع هذه الشركات وفق قانون مكافحة تبييض الأموال (القانون 44) الذي يصنف التهرب الضريبي "جناية" إذا كان متعمدا. بيد أن حجم الملفات يمنع إحالتها دفعة واحدة على النيابة العامة المالية، لذا، يؤكد جابر أن الوزارة ستعتمد آلية تدريجية تبدأ بإحالة نحو 200 شركة في المرحلة الأولى، وهي تلك التي تسجل أعلى مبالغ مستحقة.
ويؤكد أن "هذه الشركات ليست طارئة على مشهد التهرب، بل تمارس هذا السلوك لسنوات مضت، من دون أن تفتح ملفاتها، بينما تحاول الوزارة اليوم فتح هذا الملف الشائك بطريقة منهجية".
تصاريح ضريبة الدخل
في ما يخص تصاريح ضريبة الدخل، وبسبب تعليق قانون المهل الذي أصدره مجلس النواب بعد وقف النار، مددت تصاريح عامي 2023 و2024 حتى تشرين الأول، وأكد جابر أنها "مددت حتى نهاية السنة لتمكين الشركات من تقديم تصاريح دقيقة، خصوصا بعد إقرار القانون الذي سمح بإعادة تقييم الأصول نتيجة انهيار سعر الصرف. ومع بدء تلقي التصاريح، ستباشر الإدارة المالية عمليات التدقيق، حيث سيتم قبول التصاريح المطابقة، فيما سيجري تكليف إضافي في الحالات التي يشتبه فيها بوجود بيانات غير دقيقة أو محاولات للتهرب. ويهدف هذا الإجراء إلى وضع مسار جديد للمحاسبة الضريبية يعتمد على المراجعة الدقيقة بدل الاكتفاء بالتصاريح الذاتية، بما يعزز الشفافية والعدالة بين المكلفين".