إرتياح لبناني لحركة هوكشتاين والحذر من "الحسابات الخاطئة"

عندما علمت أكثر من جهة لبنانية بوجود كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين في تل أبيب لم تخفِ ارتياحها وإن لم تلتق في النظرة والتحليل لما يدور من مواجهات عسكرية على الحدود في الجنوب بين إسرائيل و"حزب الله". وجاءت هذه الزيارة في توقيت تصاعدت فيه السخونة بين الطرفين في الأيام الأخيرة بعد ملاحظة إقدام الحزب على رفع مستوى ضرباته في الكمّ والنوع.

وتعتقد أكثر من جهة في الداخل بأن واشنطن تريد تحييد لبنان بالفعل عن مواجهة كبرى. وهذا ما يعمل هوكشتاين عليه ليكرر على مسامع الحكومة الإسرائيلية وخصوصاً رئيسها بنيامين نتياهو الذي لم يحقق كل ما ردّده وتعهّد به أمام مواطنيه من "7 أكتوبر" إلى اليوم.
وتعاين بيروت بالطبع محطة هوكشتاين في تل أبيب وترى فيها تشديداً من الإدارة الأميركية على منع الانزلاق أكثر في الجنوب والعمل على عدم توسيع شعاع المعارك على طرفي الحدود. ويؤكد أكثر من مسؤول لبناني أن الأميركيين لا يريدون بالفعل حرباً كبيرة في لبنان، وما يفعله الإسرائيليون في غزة من عمليات قتل وتدمير لا يمكنهم فعله بسهولة في لبنان لجملة من المعطيات مع التوقف عند مسألة أن "حزب الله" لم يقدّم لإسرائيل أسباباً كبيرة تدفعها إلى فتح مواجهة أكبر رغم الضربات المتبادلة بين الطرفين، وأن ما تريده واشنطن هو عدم توسيع دائرة المواجهات رغم أن الإسرائيلي لم يعد يوفّر المدنيين والطواقم الصحافية في الجنوب.

وتقول مصادر ديبلوماسية إن واشنطن وطهران تلتقيان على عدم توسيع إطار المواجهة وامتدادها في لبنان لمنع تكرار صورة عدوان تموز 2006. وتبقى الخشية من متابعين للمشهد الإسرائيلي الدموي هو وقوع أي جهة من دائرة الصراع في "الحسابات الخاطئة" مع التحذير من تفلّت الأمور وعدم القدرة على ضبطها من الإسرائيلي أولاً الذي قد يفرض على "حزب الله" الدخول في مواجهة أكبر وعدم الاقتصار على هذه المشهدية الحربية رغم خطورتها وتخطيها لكل قواعد الاشتباك وتطيير القرار 1701 الذي لا يزال لبنان يعلن التمسك بمندرجاته.

ولكل هذه الأسباب يعمل هوكشتاين على ضبط الأمور قدر الإمكان على الحدود في الجنوب لعدم توسيع رقعة الحرب مع ملاحظة أن الحكومة الإسرائيلية تواجه إحراجاً شديداً أمام مجتمعها لعدم تحقيقها الأهداف التي رسمتها في غزة حيث تعاني بالفعل من وطأة الضغوط التي تمارسها عائلات الأسرى على القيادتين السياسية والأمنية في تل أبيب بعدما لمست الأخيرة أن عملية إبعاد المدنيين على جانبَي الحدود أدّت إلى نزوح الألوف من الجنوبيين في البلدات الحدودية وتعطل يومياتهم وأعمالهم، لكن في المقابل يتعرّض الإسرائيلي لخسائر أكبر لا تقتصر على إجبار المستوطنين على مغادرة منازلهم فحسب، بل أسهمت صواريخ "حزب الله" وضرباته في تخريب الدورة الاقتصادية في مساحات إسرائيلية واسعة أدّت إلى تعطيل المئات من المصانع والشركات التي تشكل عصب الاقتصاد والإنتاج في تل أبيب.

وفي قراءة لزيارة هوكشتاين لإسرائيل لا ترى فيها "حماس" أي تطوّر سوى تأكيد وقوف واشنطن إلى جانب تل أبيب وتوفيرها الدعم الكامل لنتنياهو واستمرار جيشه في حربه المفتوحة ضد غزة و"ما يمارَس ضد أهلها هو حرب إسرائيلية - أميركية" في آن واحد ظنّاً من الجهتين أنهما تقدران على قتل روح المقاومة عند الفلسطينيين وتحديداً عند "حماس"، في وقت لم تترجم فيه أي مبادرة حقيقية تؤدّي إلى أي هدنة تدفع إسرائيل إلى القبول بالوساطة التي تقوم بها قطر لوقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الغذائية والمواد النفطية وعدم التوصل إلى مبادلة الأسرى بين الطرفين، حيث لم تلمس حكومة نتنياهو بعد تحقّق انتصارات لتخفف عنها حالات الاعتراض من داخل المجتمع الإسرائيلي، وهذا ما يعرفه هوكشتاين جيداً ويعمل على منع تمدّد المعارك أكثر إلى قلب لبنان.