المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الخميس 27 تشرين الثاني 2025 00:40:44
بالتزامن مع توقيع لبنان اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص، خرج وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس معلناً أن إسرائيل تريد إعادة النظر في اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان. يستند كاتس على "تغير" موازين القوى ومحاولة فرض سيطرة إسرائيلية جديدة على مساحة مائية لبنانية، تماماً كما تحاول تل أبيب السيطرة على مساحة برية في جنوب لبنان. الثغرة التي يستغلها الإسرائيليون هنا إلى جانب "موازين القوى" هي اتفاقهم لترسيم الحدود مع قبرص والذي ينطلق من النقطة واحد. هذه النقطة هي التي كانت الأساس في أول اتفاقية لترسيم الحدود بين لبنان وقبرص، وهي التي وضعت في العام 2007. ولكن في العام 2011 أرسل لبنان رسالة إلى الأمم المتحدة عدّل فيها نقطة الترسيم مع قبرص من النقطة 1 إلى النقطة 23. النقطة 23 على أساسها رُسّمت الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
تغيير نقاط الترسيم بتغيير موازين القوى
في خضم مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، حاولت بيروت المطالبة بانطلاق الترسيم بحرياً من النقطة 29، عندها طالبت إسرائيل بالتفاوض انطلاقاً من النقطة 1، وهو ما رفضه لبنان جذرياً. عملياً جرى ترسيم الحدود مع قبرص على أساس النقطة 23، ولكن إسرائيل ستستند إلى تغيير موازين القوى وعلى اتفاق ترسيم الحدود بينها وبين قبرص في العام 2011 للمطالبة بتغيير اتفاقية الترسيم مع لبنان، إلى جانب ممارسة ضغوط وتهديدات بمنع لبنان من التنقيب في حقوله، إلا إذا وُقع اتفاق شامل ووفق الشروط الإسرائيلية. وتسعى إسرائيل إلى فرض شروطها بالقوة العسكرية هذه المرة؛ إذ إنها لا تتخلى عن التهديدات العلنية، ولا عن إرسال رسائل مع جهات دولية وديبلوماسية بأنها حسمت أمرها في شن عملية عسكرية ضد حزب الله.
زيارة رشاد لم تنسَّق مع الخارجية
تزامت زيارة الرئيس القبرصي إلى لبنان مع زيارة وزير الخارجية المصري والذي يحمل ملامح مبادرة في محاولة لتجنّب التصعيد الإسرائيلي المقبل على لبنان. تقدم مصر مقاربة تبدو واقعية بالنسبة إلى كثيرين وتختلف عن المقاربة المتشددة التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية. بدأت ملامح المبادرة تتشكل مع زيارة رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد إلى بيروت، والذي طرح يومها فكرة "تجميد السلاح" أو احتوائه، بمعنى أن يخرج حزب الله من كل المواقع التي يمتلك فيها أسلحة جنوب نهر الليطاني، مقابل أن يتسلم الجيش هذه المخازن من دون سحب السلاح منها وتفكيكها، إضافة إلى عدم إدخال الحزب أي أسلحة جديدة أي تجميد نشاطه العسكري. ووفق المعلومات، لم تكن زيارة رئيس المخابرات المصرية منسقة مع وزارة الخارجية، وهذا ما دفع بالخارجية المصرية إلى التحرك مجدداً. وقد أجرى وزير الخارجية المصري اتصالات مع الفرنسيين، الأميركيين، السعوديين والقطريين، كما أجرى تواصلاً مع الإيرانيين في محاولة لتقديم مبادرة مصرية تخفض التصعيد الإسرائيلي ضد الحزب ولبنان.
استضافة مؤتمر للبنان على غرار غزة
ترتكز ملامح المبادرة إلى أن يكثف الجيش اللبناني نشاطه في جنوب نهر الليطاني، إضافة إلى العمل في مواقع للحزب شمال نهر الليطاني، وتوسيع نطاق العمل في حصر السلاح، وتجميد الحزب لأي نشاط عسكري ووقف عملية إعادة بناء قدراته، وإبداء الاستعداد للدخول في نقاش جدي مع الدولة اللبنانية للتخلي عن السلاح وحصره بيد الدولة. وإذا حُقق تقدم في هذا المسار، فيمكن لمصر حينها أن تلعب دوراً لخفض التصعيد العسكري الإسرائيلي وصولاً إلى وقف الاعتداءات والبحث في الانسحاب من جنوب لبنان، على أن تستضيف القاهرة لاحقاً لمؤتمر خاص بلبنان من أجل إنهاء أي شكل من أشكال التصعيد العسكري والوصول إلى اتفاق إنهاء الحرب على غرار اتفاق غزة الذي حصل في شرم الشيخ.
عمليات برية أيضاً
في مقابل هذا الطرح، لا يخفي المصريون وجود مخاوف كبيرة من جدية التصعيد الإسرائيلي، لا سيما أن الأجواء التي سمعها المسؤولون اللبنانيون في غاية الخطورة، وتشير إلى أن الإسرائيليين اتخذوا قرارهم بشن حرب واسعة على لبنان، ولن تقتصر على العمليات الجوية بل هناك خطة لتنفيذ عملية برية تتوغل فيها القوات الإسرائيلية إلى مناطق واسعة في جنوب لبنان، وتدخل إلى مواقع لتفكيكها، وتغير بموجبها الوقائع العسكرية والميدانية. كما أن إسرائيل ترفض التجاوب حتى الآن مع كل المساعي الدولية الهادفة إلى خفض التصعيد، وهي تعمل على إقناع الأميركيين بأن الدولة اللبنانية بطيئة جداً في مسار سحب السلاح، في حين يُظهر حزب الله تسارعاً في وتيرة إعادة بناء قدراته، وأن بعض المسؤولين في واشنطن يميلون إلى تبني وجهة نظر إسرائيل.
لبنان تحت الضغط
يحاول الإسرائيليون إحراج لبنان بفرض مهلة زمنية عليه لسحب السلاح. وإذا لم يتمكن من ذلك، فالتصعيد سيكون حتمياً. وهنا تجتمع المصادر الديبلوماسية عند خلاصة واحدة وهي أن لبنان أمام شهرين في غاية الخطورة. فإما تسريع وتيرة سحب السلاح في جنوب الليطاني وشماله، وإما أن تنفذ إسرائيل عمليتها العسكرية.