المصدر: الشرق الأوسط
الأحد 23 تشرين الثاني 2025 07:21:06
اختار رئيس الجمهورية جوزاف عون "حلاً عملياً" للتوتر المتواصل على الحدود الجنوبية ضمن تصور "أقرب إلى المنطق والواقع" لوضع حل مستدام للأزمة مع إسرائيل، يقضي بتثبيت الاستقرار، ويربط الخطوات اللاحقة بالموقف العربي، وهو مبادرة تنتظر رد فعل الأطراف المعنية عليها، لا سيما إسرائيل التي تلوّح بالتصعيد العسكري، و"حزب الله" الذي كان، خلال الأسبوع الماضي، رفض التفاوض مع إسرائيل.
وردّت إسرائيل، أمس، على مبادرة الرئيس عون، بالنار، إذ نفذت غارات جوية عنيفة استهدفت مواقع قالت إنها لـ"حزب الله" في جنوب لبنان وشرقه، كما نفَّذت اغتيالين في الجنوب.
وتتألف المبادرة من 5 نقاط، تبدأ، أمنياً، من إعلان استعداد لبنان لاستكمال انتشار الجيش على الحدود الجنوبية وتنفيذ حصرية السلاح في المنطقة، مقابل انسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها ووقف الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار، وإطلاق الأسرى، وتتوسع إلى تفاوض مع إسرائيل، برعاية أممية أو أميركية أو دولية مشتركة، تفضي إلى "اتفاق يرسي صيغة لوقف نهائي للاعتداءات عبر الحدود".
وشدَّد عون في رسالته التي أطلقها عشية الذكرى الـ82 لاستقلال البلاد، على أن عزمه التوصُّل إلى "ترتيبات حدودية نهائية، تؤمن استقراراً ثابتاً ونهائياً"، مشيراً إلى أن "أي خطوة أبعد من الحدود، فنسير بالتنسيق والتلازم مع الموقف العربي الجامع"، في إشارة إلى التطبيع أو التوصُّل إلى اتفاقية سلام في مرحلة لاحقة.
وجدَّد عون التأكيد على ارتباط لبنان بالموقف العربي والمضي بهذا المسار، بقوله: "نرى في القمة الأخيرة في واشنطن بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤشرات مشجعة جداً لانطلاق مساره"، مؤكداً أن "هذا المسار الذي لن يتخلف عنه لبنان خطوة واحدة".
تصوّر لحل مستدام
تنطلق المبادرة من تصوّره للحل، و"قدمه استكمالاً لموقفه السابق" الذي يرى أن "لا بديل عن التفاوض إلا الحرب"، وفق ما قالت مصادر وزارية مطلعة على مواقف الرئيس، موضحة لـ"الشرق الأوسط" أن عون "مقتنع بأنه لا حل إلا بالدبلوماسية بالنظر إلى أن البدائل مفقودة، في حين لا تعدّ الحرب بديلاً عن الحلول العملية". وقالت المصادر إن ما طرحه عون مساء الجمعة "هو رؤيته للحل، وهي الأقرب إلى المنطق والواقع، وتمثل حلاً عملياً بمعزل عن التنظير والشعارات".
عراقيل "حزب الله" وإسرائيل
يتخطى عون في المبادرة، العوائق المحلية التي عبّر عنها "حزب الله" في وقت سابق، لجهة رفضه للتفاوض مع إسرائيل، كما يتخطى العوائق الإسرائيلية التي لم تستجب لعزم لبنان على التفاوض وحل الأزمة ضمن الآليات الدبلوماسية، ولا تزال تلوّح بتصعيد عسكري بالداخل اللبناني.
وضمن هذا السياق، تخترق المبادرة تلك العقبات، وتسير في منطقة وسط بين المطالب والعراقيل المتقابلة، لتأمين "حل مستدام لنزاع طويل"، ومهّد لها بالقول في الخطاب نفسه إن الانطباع بأن شيئاً لم يتغير "هو مكابرة وحالة إنكار"، وأنه "لا يمكن الاستمرار بما كان قائماً من تشوهات في مفهوم الدولة وسيادتها على أرضها، منذ 40 عاماً"، في إشارة إلى نشأة "حزب الله" في مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
ردود الفعل
لم تُرصَد ردود الفعل على المبادرة، وفق ما تقول المصادر الوزارية التي رجَّحت أن تكون المبادرة "قيد التقييم لدى الأطراف المعنيين"، مما يؤكد أنها غير منسقة مع إسرائيل بطبيعة الحال، ولا مع "حزب الله" الذي يُنتظر موقفه منها من خلال ردود الفعل المنتظرة. وتؤكد المصادر أن هذه الخطة "يؤمن عون بها، وعرضها على المعنيين، وستظهر المواقف حيالها، من ردود الفعل المنتظرة".
التعويل على ضغوط دولية
ومنذ أن أطلق عون خيار التفاوض في وقت سابق، لاقى الطرح ترحيباً دولياً، خصوصاً من الدول المؤثرة والصديقة التي تابعت المبادرة وشجعت على المضيّ فيها، لكن تل أبيب لم تبدِ أي استجابة، وهي طرف أساسي في الطرح.
أما الآن، فيعوّل لبنان على استجابة الطرفَين المعنيَّين بالمبادرة، وهما إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وحزب الله من الجهة الأخرى.
وقالت المصادر: "حتى الآن لم تصل أي ردة فعل من إسرائيل، لكن إذا قبلت بها، فستكون قد فتحت الباب أمام حل مستدام للأزمة، وإذا رفضت، فسيلجأ لبنان إلى المجتمع الدولي، ويطلب منه التدخل والضغط على تل أبيب والتأثير عليها، لأنه في النهاية، لا بديل عن خيار السلم الذي يناقض الحرب. هذه الفكرة موجودة وباتت معلنة، إذا تم تلقفها، فسيبدأ الحل تدريجياً لأزمة تمتد لعقود".
موقف "حزب الله"
وكان "حزب الله" حذراً في التعامل مع المبادرة، وفي حين رأى النائب عنه رائد برو أنّ الخطاب
يوازي في مضمونه خطاب القسم، إذ أعاد الرئيس التأكيد على الثوابت والالتزامات نفسها التي أعلنها يوم تولّيه المسؤولية"، لكنه قال إن القراءة في الخطاب "تحتاج إلى مزيد من المشاورات على مستوى الحزب".
وعدّ برو في حديث إذاعي أنّ "التوسّع في شرح مسار التفاوض خطأ قبل أن يعلن الطرف الآخر موقفه الواضح"، وتابع: "معالجة الأسباب الجوهرية، أي الاعتداءات الإسرائيلية والاحتلال، هي الأساس قبل النقاش في آليات حماية لبنان".