إسرائيل تلوّح بأيّام قتال في لبنان

أطل رئيس الجمهورية جوزاف عون بكلمة في ذكرى الاستقلال ترتقي إلى مصاف خطاب القسم الذي ألقاه بعد فوزه بمنصب الرئاسة الأولى بداية العام الجاري. وأورد الرئيس عون في النصّ الأخير كل البراهين التي تؤكد أن لا فضل للبناني على آخر إلا بمقدار ولائه للوطن. ووضع نصب عينيه إقناع المشككين بمسار التغيير الجاري في لبنان والمنطقة أنه لن يكون على حساب "جماعة" أو "طائفة". وقال: "نحن كدولة، وأنا شخصياً كرئيس لهذه الدولة، نقف حيث تقتضي مصلحة الوطن وكل الشعب، لا مصلحة طرف أو حزب أو طائفة". فهل نجح رئيس الجمهورية في إيصال هذه الرسالة المهمة؟

يقتضي السؤال التوضيح قبل الجواب هو أن مقصد رسالة الرئيس عون كان "حزب الله" الذي هو من تنطبق عليه مواصفات كلمة رئيس الجمهورية. ولو جرى العودة إلى هذه الكلمة، لتبيّن أن هناك مقاطع رئيسية فيها تدلّ على الجهة المعنية بها. ومن هذه المقاطع وابرزها: "في لبنان اليوم، لدى بعض المرتابين من تطورات المنطقة، انطباعٌ وكأن شيئاً لم يتغير، لا عندنا ولا حولنا ولا في فلسطين ولا في سوريا ولا في العالم.

هي مكابرة أو حالة إنكار ليقنع هذا البعض نفسه، بأنه يمكنه الاستمرار بما كان قائمًا من تشوّهات في مفهوم الدولة وسيادتها على أرضها، منذ 40 عاماً.

وأنا أقول لكم، إن هذا السلوك مجاف للواقع. وللإرادة اللبنانية أولاً، قبل مناقضته للظروف الإقليمية والدولية".

كيف تعامل "حزب الله" أو من ينوب عنه مع كلمة رئيس الجمهورية التي بدت وكأنها النداء الأخير لمن تأخر عن الصعود الى قطار التغيير في لبنان والمنطقة؟

نبدأ بكلمة عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن فضل الله أمس الذي قال إنه "في حين لم يستطع العدو أن يقتلعنا من أرضنا، هناك من يظن أنه يستطيع أن يقتلعنا من الشراكة السياسية أو من الحضور في المعادلات الداخلية مستفيدًا من الوضع القائم، ومن أن المقاومة قبلت بهذا الاتفاق (وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 )، وبأن تكون الدولة هي المسؤولة عن تطبيقه".

أما المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي أذاع أمس رسالة في يوم الاستقلال، شدّد فيها على ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة ". وخلص الى القول: "من هزم الجيش الأسطورة على تخوم لبنان الحدودية ("حزب الله") لم يُهزم بل قدّم أعظم صمود أسطوري بهذا القرن".

وذهب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب الى أبعد ما ذهب اليه زميله المفتي قبلان، فانبرى مطوّلًا للدفاع عن سلاح الحزب، قائلًا: "هذا الهجوم على سلاح المقاومة... لماذا يريدون هذا السلاح؟ إذا كان قد انتهى دوره كما يدّعون، فلماذا يريدون نزعه؟ هذا يعني أن دوره قائم، وإلا لتركوه. إذًا لماذا يضغطون على البيئة وعلى المقاومة؟ لماذا يحملونها المسؤولية ويحاصرونها ويحاولون قلب الناس عليها وتهديدهم بحرب واسعة من أجل أخذ هذا السلاح؟ لا تُخدعوا. هذا السلاح لم يكن يومًا ملكًا فرديًا؛ فقد كنّا بلا سلاح سوى البندقية البسيطة، وكانت الدولة تلاحق بعض الناس على أبسط الأمور... ومع ذلك حررنا الأرض. اليوم يراد كسر إرادتنا. ولكن إرادتنا لن تنكسر ".

فتح رئيس الجمهورية ذراعيه في ذكرى الاستقلال للحزب كي ينجو من شباك إسرائيل. لكن "حزب الله" في ضوء ردود الفعل رفض هذه البادرة. وسارعت إسرائيل في المقابل، لتتحدث بلغة مغايرة تمامًا للغة الرئيس عون فقدرت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأنه لا مفر من عدة أيام من القتال في لبنان.

 

وقالت القناة الإخبارية 13 الإسرائيلية، مساء امس: "تستمر التوترات على الحدود الشمالية، فقد استأنف سلاح الجو مهاجمة بنية "حزب الله" التحتية في لبنان، وقضى على مسلحين اثنين من المنظمة، وتدمير قاذفات الصواريخ والمواقع العسكرية في وادي البقاع وجنوب البلاد، لمنع "حزب الله" من إعادة تأهيل مواقع الصواريخ الثقيلة عميقـًا داخل لبنان".

وكتب تسفي برئيل في هآرتس يقول: "غير واضح إلى أين تسعى إسرائيل"، قال للصحيفة محلل لبناني يعيش خارج لبنان. "في نهاية المطاف، معظم الهجمات تنفذها من الجو. لماذا عليها مواصلة الاحتفاظ بالمواقع الخمسة التي ليست إلا ورقة مساومة في المفاوضات؟ حيث إن الدعم الكامل الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة سيمكنها من الهجوم لاحقًا أيضًا، وحتى إن اللجنة المشرفة على تطبيق وقف إطلاق النار لم تتطرق لهذه الهجمات على الإطلاق. لماذا لا تجري مفاوضات وتسلم الحكومة اللبنانية أوراق المساومة التي هي بحاجة إليها ضد حزب الله؟".

يجب التأكيد على أن "حزب الله" اكتفى حتى الآن بانتقاد إعلامي وسياسي للهجمات الإسرائيلية. يوجه سهامه إلى حكومة لبنان لأنها تظهر العجز العسكري والسياسي أمام إسرائيل، التي تخرق وقف إطلاق النار. وفي غضون ذلك، القيادة اللبنانية عالقة في حقل ألغام سياسي يسبب الشلل.

إسرائيل غير معفية من طرح أسئلة مشابهة أيضاً. عليها أن تحدد أهداف الهجمات والتصعيد، وأن تشرح استمرار احتفاظها بالمواقع الخمسة. الحروب في لبنان وفي غزة أوضحت بأن الهجمات من الجو وحدها لا يمكنها نزع سلاح المنظمات، وحتى المعارك البرية كبيرة لم تطهر مخازن السلاح لـ"حماس" و"حزب الله" بالكامل؛ فقد اضطرت إسرائيل في غزة إلى وضع جزء من هذه المهمات في يد قوة متعددة الجنسية، التي لم تشكل بعد، ولا يقين من أنها ستشكل. أما لبنان، في المقابل، فثمة حكومة تعهدت بالعمل لحصر سلاح "حزب الله"، بل وبدأ الجيش العمل على الأرض وسجل إنجازات – حتى لو كانت بعيدة عن الهدف النهائي".

في الخلاصة: لا يريد "حزب الله" الانصات الى رئيس الجمهورية يتكلم العربية. فهل سيعير أذنيه للكلام العبري من وراء الحدود الجنوبية، حيث تجدد قرع طبول الحرب؟