إفراغ البلد ديبلوماسيًا وتعليق رحلات الطيران: حقبة الثمانينات وأسوأ

يبقى حدثُ الحرب في غزة والمواجهات على الحدود الجنوبية بين حرارة الإشتباك وانخفاضه، بانتظار ما سيؤول إليه الميدان في غزة وليبنى على الشيء مقتضاه على الساحة اللبنانية وما بينهما من اتصالات ديبلوماسية على أعلى المستويات لتجنبه، على خلفية عدم قدرة لبنان على تحمّل "ضربة كف" في الظروف الاستثنائية التي يمر بها، وبالتالي ليس في وسع أحد أن يتنبأ ويغرق في التحليل بما قد يحدث لأن هذه الحرب وعدّتها تتخطى كل المرجعيات والقيادات والأحزاب في الداخل، وأكثر من ذلك، باعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية وإيران هما المايسترو لكلا الفريقين المتحاربين ميدانياً وسياسياً.

في الأثناء، برزت أجواء وتطورات تحمل الكثير من القلق والمخاوف مما يرفع منسوب الأزمات، وقد تبدّى ذلك من خلال الخطوات والتدابير التي أقدمت عليها دول عربية وغربية بتحذير رعاياها من السفر إلى لبنان وتعليق شركات طيران عالمية رحلاتها إلى بيروت، وخصوصاً الطيران السعودي، إذ الرحلات بين البلدين يومية نظراً الى وجود أكبر جالية لبنانية في المملكة، وهذه الأجواء تذكّر بحقبة الثمانينات حينما أُفرِغ البلد من السفارات والبعثات الديبلوماسية عربياً ودولياً وأُقفِلت شركات الطيران المعروفة، إضافةً إلى مكاتب ومؤسسات إعلامية لها وزنها. لذا السؤال: هل يتجه البلد إلى تلك الحالة المزرية ويعيد التاريخ نفسه؟

في السياق، تشير مصادر سياسية مواكبة لمسار الوضع الراهن الى أن المعلومات تؤكد استمرار قواعد الاشتباك بالحد الأدنى في ما خصّ الجبهة الجنوبية، وهذا ما ينقله بعض الذين لديهم صلة وعلاقة تحالفية مع حارة حريك، من دون أن يعني ذلك أن "حزب الله" يتفرج أو على الحياد بل هو في قلب المعركة وتواصله مع "حماس" على مدار الساعة حول الخطوات الميدانية ربطاً بحرب غزة وما يمكن أن تصل إليه الأوضاع عسكرياً، ولاسيما الأمور الإستخبارية واللوجستية ودراسة كل الخيارات والإحتمالات. وبناءً عليه، يبقى رفع وتيرة الاشتباكات في الجنوب غير مستبعد في أي توقيت، في حين يردد البعض من المقربين من هذه القوى أنهم يدركون سلفاً إحتمال ان تلجأ إسرائيل إلى أسلحة نوعية وصلتها أخيراً من الأميركيين، وثمة من يشير إلى سلاح آخر دعمت به بعض الدول الأوروبية تل أبيب على غرار ما يجري مع أوكرانيا ولكن بصورة متطورة جداً وتفوق إمداد الأميركيين والأوروبيين للجيش الأوكراني بالسلاح، وهذه الخطوات المعتمدة من واشنطن والعواصم الأوروبية هدفها عدم سقوط إسرائيل لما ينطوي عليه من مخاطر في الداخل الأميركي والدول الحليفة لواشنطن.

وتضيف المصادر انه بالعودة إلى الخطوات التي أقدمت عليها السعودية ودول خليجية أخرى، وكذلك على المستوى الدولي، بأنها شبيهة بما سبق وحصل في الحروب التي مرت على لبنان وتحديداً خلال الإجتياح الإسرائيلي العام 1982، بمعنى انها لن تؤثر على العلاقات بين بيروت وهذه العواصم، وخصوصاً الرياض باعتبارها "أمّ الصبي" خليجياً وعربياً، لكن الفارق ان لبنان كان في وضع افضل مالياً واقتصادياً، فآنذاك لم تتوقف المصارف، والقطاعان العام والخاص كانا متماسكين، أما اليوم فالبلد منهار ومفلس ومعظم مؤسسات الدولة ترهّلت، ما يؤدي، جراء الخطوات التي اتخذت، إلى مزيد من الإنكماش الإقتصادي والسياحي وعلى كل المستويات، وإن كان من حقّ هذه الدول أن تحمي سفاراتها وبعثاتها ورعاياها، أضف أن اللبنانيين الذين يعملون في الخارج سيعانون على خلفية التنقلات، وتحديداً رجال الأعمال وحركة الإستيراد والتصدير وأمور عديدة ستشكل ضربة أخرى للبنانيين.

وتختم المصادر بأن أحد أبرز المساعدين للأمين العام للجامعة العربية، قال لأحد أصدقائه ولمتصلين به، إن حرب غزة طويلة، فإما أن تكون آخر الحروب وتؤسس لتسويات من بيروت إلى دمشق وفلسطين، علما ان الفاتورة ستكون باهظة الثمن بشراً وحجراً، بمعنى ان ثمة إعادة هيكلة جذرية لوضع المنطقة، وإما تؤدي الإتصالات الديبلوماسية إلى وقف للنار بعد ان تكون إسرائيل عبر سياسة الأرض المحروقة قد حققت مبتغاها بالتدمير الممنهج والإغتيالات لتعيد الاعتبار إلى قادتها وجيشها. وفي الخلاصة هي حرب إقليمية عالمية، وكيفما انتهت مفاعيلها فالنتائج كارثية، ليحذر هذا المسؤول العربي مجدداً من زج لبنان في الحرب كونه الحلقة الأضعف في محيطه جراء بنيته السياسية والإنقسام بين مكوناته وأحزابه وإفلاسه المالي.