إنفجارات هواتف في لبنان تثير الهلع: تهديد أمني أم تقني؟

خلال الأسبوع الماضي، تعرّضت هواتف خليوية للانفجار. ففي حادثة وقعت في سن الفيل، نجت الطفلة نور تشارلي الأصيل (9 سنوات) من مأساة، بعدما لاحظت أثناء استخدامها الهاتف ارتفاعاً مفاجئاً في حرارته وانبعاث رائحة احتراق، فسارعت إلى رميه أرضاً قبل أن ينفجر.

وفي بلدة الزرارية جنوبي لبنان، تعرّض الطفل مهدي هاشم لانفجار هاتفه خلال استخدامه، فيما أدّت حادثة ثالثة إلى انفجار واحتراق بطارية متنقّلة (Power Bank)في بلدة تولين الجنوبية أيضاً.

تثير هذه الحوادث قلق اللبنانيين ومخاوفهم، إذ يربط بعضهم بينها وبين تفجيرات "البيجر" التي نفّذها العدو الإسرائيلي العام الماضي. إلا أنّ هذه الانفجارات ليست مرتبطة بأي شقّ أمني، ولا ينبغي أن تثير الهلع، شرط التزام المواطنين ببعض إجراءات السلامة لحماية أجهزتهم.

ظاهرة تقنية

يقول أيمن حاطوم، الاختصاصي في التكنولوجيا التعليمية وخبير تكنولوجيا الأجهزة والذكاء الاصطناعي، في حديثه لـ"المدن"، إنّ "هذه الانفجارات ليست صدفة عشوائية، بل هي عادة نتيجة ظاهرة تُسمّى Thermal Runaway(الهروب الحراري) في خلايا بطاريات الليثيوم-أيون". ويشرح حاطوم أنّ "الهروب الحراري يحدث عندما يقع قصر داخلي أو تلف ميكانيكي أو تسخين مفرط داخل الخلية، مما يؤدي إلى ارتفاع حرارتها وانبعاث غازات قابلة للاشتعال، ثم تنتقل الحرارة إلى الخلايا المجاورة، فتحدث سلسلة تفاعلات قد تنتهي بالانفجار أو الاحتراق القوي".

ويُرجع حاطوم الأسباب الشائعة لهذه الحوادث إلى "عيوب في التصنيع كما حدث في نموذج Galaxy Note7، أو تلف فيزيائي نتيجة سقوط أو ثقب، أو الشحن الزائد وغير المنضبط، أو استخدام كابلات شحن رديئة، أو تلف داخلي بعد طول استخدام".

مؤشرات تسبق الانفجار

وعن العلامات أو المؤشرات التي تسبق الانفجار ويمكن للمستخدم ملاحظتها، يعدد حاطوم أبرزها:
"ارتفاع حرارة غير طبيعي أثناء أو بعد الشحن أو حتى في وضع الخمول، وانتفاخ في جسم البطارية أو الهاتف  (Bulging)، وهو مؤشر خطير يستوجب التوقف عن الاستخدام فوراً، وانبعاث رائحة كيميائية غريبة تشبه رائحة المحروقات أو الأحماض". 

ومن ضمن المؤشرات أيضاً، "توقّف الهاتف المتكرر أو إغلاقه المفاجئ أو أداؤه البطيء جداً، أو ظهور تشققات في الغلاف الخارجي وسخونة عند مناطق التماس. وفي حال ظهور أي من هذه المؤشرات، يُنصح بإيقاف الشحن فوراً، وفصل الجهاز عن الكهرباء، ونقله إلى مكان آمن، ثم عرضه على مركز صيانة معتمد".

إرشادات لتفادي الحوادث

ويقدّم حاطوم مجموعة من الإرشادات لحماية الأجهزة من مخاطر الانفجار: "استخدام شواحن وكابلات أصلية أو من علامات موثوقة، وتجنّب الأنواع الرخيصة غير المعتمدة، وتجنّب شحن الهاتف في أماكن مرتفعة الحرارة أو تحت الوسادة أو في أماكن مغلقة بلا تهوئة، وإزالة الغلاف السميك أثناء الشحن إذا لاحظ المستخدم ارتفاعًا في حرارة الجهاز، وعدم ترك الجهاز متصلاً بالشحن لفترات طويلة، خصوصًا أثناء الليل أو في أماكن قابلة للاشتعال".

ويضيف: "عند ملاحظة أي انتفاخ أو رائحة أو حرارة مفرطة، يجب إيقاف الشحن فوراً، وإطفاء الجهاز، ووضعه على سطح غير قابل للاشتعال، ثم التواصل مع مركز خدمة معتمد أو جهة متخصصة في التخلّص من الإلكترونيات".

هل الأجهزة القديمة أخطر؟ 

يردّ حاطوم على الاعتقاد بأنّ الهواتف القديمة أكثر عرضة للانفجار، قائلاً: "صحيح أنّ الأجهزة القديمة أكثر عرضة، لأن خلايا البطارية تفقد سعتها مع الوقت وتتعرض للتآكل، مما يزيد احتمال الفشل الداخلي، لكن حتى الأجهزة الحديثة قد تواجه مشاكل إذا احتوت بطاريات معيبة أو استُبدلت بقطع غير أصلية أو شُحنت بطريقة خاطئة. فالحوادث الكبرى في السنوات الماضية شملت أجهزة حديثة أيضاً، وكانت مرتبطة بعيوب إنتاجية أو تصميمية. لذلك، لا أمان مطلقاً مهما كان الجهاز حديثاً إذا توافرت ظروف الخطر".

الشك الأمني والواقع التقني

وفي كل مرة تقع فيها مثل هذه الحوادث، يميل بعض اللبنانيين إلى ربطها بخروق أو مخاطر أمنية. يوضح حاطوم: "الاعتقاد بأنّ كل انفجار هاتف في الشارع هو عمل تخريبي، غير دقيق، إذ إنّ معظم هذه الحوادث مرتبطة بمشاكل في البطارية أو الشحن. لكن عند ظهور نمط غير عادي، مثل انفجار أجهزة متعددة من الطراز نفسه في منطقة محددة، فعندها يجب أن تتولّى الجهات الأمنية تحقيقاً فنياً وجمع الأدلة".
ويختصر موقفه بالقول: "لا يمكن استبعاد فرضية التخريب كلياً في حالات استثنائية، لكن الافتراض الأول يجب أن يكون تقنياً، إلى أن تثبت التحقيقات الأمنية العكس".

أما من الناحية الرقمية، فينبّه حاطوم إلى أنّ بعض المستخدمين يغفلون عن جانب مهم من السلامة، وهو البرمجيات الخبيثة (الفيروسات)، موضحاً إلى أنّ "البرمجيات الخبيثة لا تُفجّر البطارية مباشرة، لكنها قد ترفع حرارة الجهاز عبر تشغيل المعالج بشكل دائم أو تنفيذ عمليات كثيفة، مما يؤدي إلى استهلاك طاقة مستمر وتسريع تدهور البطارية. لذلك، الحفاظ على النظافة البرمجية ضروري عبر تحديث النظام، وحذف التطبيقات المشبوهة، واستخدام برامج الحماية عند الشك".

البطاريات التالفة

ويختم حاطوم بالتشديد على أهمية التخلّص الآمن من البطاريات والأجهزة التالفة، قائلاً: "البطاريات التالفة لا تُرمى في النفايات المنزلية، بل يجب نقلها إلى مراكز إعادة التدوير أو نقاط تجميع الإلكترونيات، لأنها قد تشكّل خطراً أثناء النقل أو في المكبّات. كما أنّ توثيق الحوادث ضروري، فعند ملاحظة نمط محلي متكرر (حوادث متشابهة)، يُنصح بتوثيق طراز الهاتف ورقم الموديل وصور الجهاز، وإبلاغ وزارة الصناعة أو مديرية حماية المستهلك أو الجهات الأمنية لفتح تحقيق في سلسلة التوريد". 

بين الواقع التقني والمخاوف الأمنية، تبقى حوادث انفجار الهواتف في لبنان جرس إنذار للمستخدمين بضرورة الوعي بأساليب الشحن السليم والتعامل الآمن مع الأجهزة. فالقضية ليست مجرّد صدفة، بل نتيجة إهمال أو استخدام خاطئ يمكن تفاديه ببعض الحذر والمعرفة.