المصدر: نداء الوطن
الكاتب: جو رحال
السبت 28 حزيران 2025 07:50:34
تعيش إيران صيف 2025 لحظة فارقة قد تحدد مصيرها لعقود مقبلة، بعد أن تعرضت في 20 حزيران لأوسع ضربة عسكرية على منشآتها النووية منذ نشأة الجمهورية الإسلامية. فقد نفذت إسرائيل بالتنسيق مع الولايات المتحدة هجمات جوية مركزة استخدمت فيها قنابل خارقة للتحصينات من طراز GBU 57، مستهدفة مواقع فوردو ونطنز وأصفهان، ما ألحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية للتخصيب النووي، ووفق تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في 22 حزيران، عُطّل البرنامج النووي لفترة قد تمتد بين عام وثلاثة أعوام، وسط تقديرات بخسائر مالية هائلة.
في الأيام التالية، أعلنت إيران حالة تأهب قصوى، وانتشرت بطاريات الدفاع الجوي حول المنشآت الحساسة، فيما كثّفت القيادة العسكرية مناوراتها لردع أي هجوم إضافي. على المستوى الإعلامي، وصف المرشد الأعلى علي خامنئي الضربة بأنها "عدوان صهيوني أميركي مشترك يهدف إلى إسقاط الجمهورية"، داعيًا الإيرانيين إلى الالتفاف حول النظام ومقاومة ما وصفه بالمؤامرة الكبرى. في المقابل، أظهرت وسائل الإعلام المعارضة موجة انتقادات غير مسبوقة، حيث قال الناشط الإصلاحي مهدي كروبي في بيان نشره موقع "سحام نيوز" بتاريخ 23 حزيران: "هذه الضربة كشفت هشاشة النظام الذي ينفق على مغامرات خارجية بينما شعبه غارق في الجوع".
تزامن هذا التصعيد مع تقارير موثوقة عن تدهور صحي خطير لخامنئي، البالغ من العمر 86 عامًا. فقد أفادت صحيفة "واشنطن بوست" في 23 حزيران أن اجتماعات مغلقة عقدت بين أركان النظام لحسم ترتيبات خلافته المحتملة، وسط انقسام بين التيارات المحافظة والإصلاحية، فيما أكدت "فايننشال تايمز" أن ظهوره الأخير في تسجيل مصور عكس علامات وهن واضح، ما غذّى التكهنات بقرب انتقال السلطة إلى قيادة جديدة قد تعيد صياغة قواعد الحكم.
في العمق، يتدهور الوضع الاقتصادي بوتيرة مقلقة. وفق بيانات صندوق النقد الدولي في تقرير أيار الماضي، بلغ التضخم 52 %، وقفزت أسعار المواد الغذائية بنسبة 48 % مقارنة بعام 2024، بينما فقد الريال أكثر من 35 % من قيمته في الربع الثاني من السنة. هذا الانهيار الاقتصادي فجّر موجة احتجاجات وإضرابات واسعة اجتاحت أكثر من 155 مدينة بين نيسان وحزيران، شملت سائقي الشاحنات والمعلمين والقطاع الصحي. وفي تصريح رسمي لوكالة "إيرنا" بتاريخ 10 حزيران، أقر المتحدث باسم الحكومة بأن "الأزمة المعيشية حقيقية وخطرة، لكن الدولة لن تسمح بتحويل الاحتجاجات إلى فوضى".
رد السلطات كان حادًا، إذ جرى تنفيذ حملة اعتقالات موسعة أسفرت عن توقيف أكثر من 700 ناشط خلال أيار وحزيران، إضافة إلى إعدام عدد من المتهمين بالتجسس لصالح إسرائيل. وفي 25 حزيران، صوّت البرلمان الإيراني على تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهدد رسميًا بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ما زاد منسوب التوتر مع الغرب ورفع مخاوف اندلاع مواجهة أكبر.
دوليًا، صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مؤتمر صحافي يوم 25 حزيران قائلاً: "إذا أوقفت إيران تخصيب اليورانيوم عند مستويات عسكرية، يمكننا بحث تخفيف العقوبات النفطية لدعم إعادة الإعمار". في الوقت نفسه، تقود الصين جهود وساطة لتفادي حرب إقليمية واسعة، بينما تراقب السعودية الوضع بحذر بالغ، خاصة بعد أن استعادت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في 2024 بوساطة صينية، لكنها تخشى تداعيات التصعيد على أمن الخليج وأسواق الطاقة العالمية.
أما في الشارع الإيراني، فيتنامى الشعور بالمرارة والإنهاك. يقول رضا، موظف حكومي من شيراز، في تصريح لوكالة "فرانس برس": "نحن ندفع ثمن صراع لا ناقة لنا فيه… نريد حياة كريمة قبل أي مشروع نووي". هذا المزاج الشعبي العابس يعكس هوة الثقة بين المواطنين والسلطة التي تتآكل يومًا بعد يوم.
اليوم، تجد إيران نفسها أمام ثلاثة سيناريوات مصيرية: استمرار المواجهة المفتوحة مع إسرائيل والغرب بما قد يؤدي إلى مزيد من الانهيار والتفكك، أو الانكفاء نحو الداخل لترميم الأوضاع المعيشية وتخفيف حدة الأزمة الاجتماعية، أو الانخراط في تسوية شاملة تشمل النووي والصواريخ والنفوذ الإقليمي مقابل تخفيف العقوبات واستقطاب استثمارات دولية. ما سيحسم المصير هو قدرة القيادة الإيرانية على قراءة اللحظة التاريخية والتكيّف مع ضغط الداخل والخارج قبل أن تتحول الأزمة إلى انهيار لا رجعة فيه.