احتياطات المركزي ترتفع: 657 مليون دولار في شهر ونصف

للمرّة الثالثة على التوالي، استمرّت الزيادة في احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبيّة، في الميزانيّة النصف الشهريّة التي ينشرها المصرف كل 15 يومًا. وبذلك، يبدو من الواضح أن مصرف لبنان يستمر حتّى اللحظة بانتهاج سياسة جمع الدولارات من السوق، وشرائها مقابل النقد الورقي الذي يطبعه بالليرة، من دون أن يظهر بعد الهدف النهائي لهذا المسار.

حصيلة جمع الدولارات منذ منتصف أيلول

في خلاصة الأمر، ارتفع حجم احتياطات العملة الأجنبيّة الموجودة لدى مصرف لبنان بنحو 657 مليون دولار، بين منتصف شهر أيلول الماضي، وبداية الشهر الحالي، أي خلال مدّة شهر ونصف. وبذلك، ارتفعت قيمة هذه الاحتياطات من 9.61 مليار دولار في منتصف أيلول، إلى 10.27 مليار دولار في بداية تشرين الثاني الحالي، أي بزيادة قدرها 7% في حجم الاحتياطات بين الفترتين. مع الإشارة إلى أنّ حجم الدولارات التي جمعها مصرف لبنان خلال النصف الثاني من تشرين الأوّل وحده بلغت 239 مليون دولار.

الأثر على قيمة النقد المتداول بالليرة
كما بات معلومًا للجميع، يقوم مصرف لبنان بطبع النقد بالليرة لشراء هذه الدولارات من السوق، وهو ما يعني عمليًّا تحميل كلفة شراء الدولارات إلى قيمة الليرة نفسها، التي تتأثر بموازين العرض والطلب على الدولار. وخلال الفترة نفسها، ارتفعت قيمة النقد المتداول في السوق بالليرة من 45.1 ألف مليار ليرة في منتصف شهر أيلول، إلى 69.8 ألف مليار ليرة في منتصف شهر تشرين الأوّل، وصولًا 75.05 ألف مليار ليرة في بداية شهر تشرين الثاني. أي بمعنى آخر، ارتفعت قيمة النقد المتداول بالليرة في السوق بنسبة 66%، خلال فترة قصيرة جدًّا لا تتجاوز الشهر والنصف.

وبذلك، سيعني هذا التطوّر زيادة قيمة الليرات الورقيّة الموجودة في السوق إلى أعلى مستوياتها التاريخيّة، وهو ما يفترض أن يترك أثرًا على قيمة الليرة على المديين المتوسّط والبعيد، إلا إذا كان لدى المصرف المركزي تصوّراته لكيفيّة إعادة امتصاص النقد الذي قام بخلقه لاحقًا. وتجدر الإشارة إلى أنّ امتصاص قيمة هذا النقد يمكن أن يجري عبر بيع الدولارات مقابل الليرات الورقيّة، أو زيادة أسعار الصرف المعتمدة لسداد القروض بالليرات الورقيّة.

الخسائر المتراكمة في الميزانيّة
كما هي العادة، نتج عن شراء الدولارات بهذه الطريقة من السوق المزيد من الخسائر المتراكمة في الميزانيّة، والتي تنتج عن الفارق ما بين قيمة الدولارات المسجّلة بسعر الصرف الرسمي في موجودات المصرف، وسعر صرف السوق الموازية التي تكبّدها المصرف لشراء الدولارات. وطوال هذه المدّة، لجأ المصرف إلى إخفاء هذه الخسائر، عبر قيد موجودات غير واقعيّة تحت بند الموجودات الأخرى، تمامًا كما أخفى في مراحل سابقة خسائر أخرى تراكمت تحت هذا البند.

وبين منتصف شهر أيلول وبداية الشهر الحالي، ارتفعت قيمة الموجودات الأخرى في ميزانيّة المصرف من 109.4 ألف مليار ليرة، إلى 139.34 ألف مليار ليرة، أي بزيادة نسبتها 27.3% بين الفترتين. وفي جميع الحالات، من المعلوم أن تراكم هذه الخسائر وبهذه السرعة سيزيد من تعقيدات المشهد على مستوى تطبيق خطّة التعافي المالي، في ظل التغيّرات السريعة في قيمة الخسائر التي ستتعامل معها هذه الخطّة في المستقبل.

تغيّرات قيمة الذهب
استمرّت طوال الفترة الماضية التقلّبات السريعة في قيمة بند الذهب الموجود بحوزة مصرف لبنان، نتيجة التحوّلات في قيمة الذهب عالميًّا. وفي النتيجة، انخفضت قيمة هذا البند من 15.56  مليار دولار في منتصف شهر أيلول الماضي، إلى 15.14 مليار دولار في بداية هذا الشهر، ما يعني حجم الذهب الموجود لدى مصرف لبنان شهد انخفاضًا قيمته 428.83 مليون دولار خلال فترة شهر ونصف فقط. ويتوقّع الخبراء استمرار التراجع على المدى البعيد في قيمة الذهب مقابل الدولار الأميركي، مع استمرار ارتفاع الفوائد في الأسواق العالميّة، وتنامي قوّة الدولار في وجه سائر العملات والمعادن النفيسة.

في النتيجة، تبقى الإشكاليّة الأهم التي تعيق دراسة هذه الميزانيّة هي عدم اعتماد سعر صرف واقعي وموحّد لاحتساب قيمة الموجودات والمطلوبات بالعملات الأجنبيّة، وهو ما يحول دون فهم حجم الخسائر التي تعكسها هذه الميزانيّة، أو حجم الموجودات الإجماليّة فيها. ومن هذه الزاوية بالتحديد، لا يمكن مثلًا تفسير زيادة قيمة الموجودات الإجماليّة خلال الفترة نفسها بنحو 5.32 ألف مليار ليرة، طالما أنّ جزء أساسي من هذه الموجودات يمثّل خسائر واحتياطات مسجّلة بسعر الصرف الرسمي القديم، المنخفض القيمة مقارنة بالسعر الفعلي في السوق.