اختفاء خبز: أزمة مفتعلة بعد تسعير السلع بالدولار

يستذكر قاسم العلي أيام الحرب الأهلية، والوقوف لساعات في طابور للحصول على ربطة خبز. المشاهد التي عاشها منذ أكثر من أربعين سنة، والتي تكررت مرات عديدة في الفترة الماضية، تعود مجدداً إلى ذاكرته على الرغم من قرار وزارة الاقتصاد بالاستمرار في دعم الطحين. إذ اضطر العلي الوقوف لساعات لشراء ربطة خبز في الأيام القليلة الماضية.

مخاوف عديدة
على الرغم من آليات دعم الطحين لا تزال قائمة، لكن رفع أسعار الخبز في العديد من المحال التجارية، خلق أزمة، وأثار مخاوف من إمكانية تسعير الخبز بالدولار، إسوة بباقي السلع الأساسية والاستهلاكية.

في العديد من المحال التجارية والسوبرماركت، ارتفع سعر ربطة الخبز من 38 ألفاً إلى 45 ألفاً ووصل حتى إلى 48 ألفاً. ورغم ارتفاع الأسعار، إلا أن أصوات المواطنين ارتفعت بسبب نقص الخبز. إذ تقلصت نسبة توزيع الخبز بالتزامن مع قرار تسعير السلع بالدولار الأميركي. وحسب العديد من أصحاب المحال السوبرماركت، يعود السبب في غياب الخبز إلى تقليص الموزعين الكميات المطلوبة لأكثر من النصف، وهو ما رفع الأسعار بشكل مفاجئ.

وهو ما أكده رئيس نقابة الأفران والمخابز العربية في بيروت وجبل لبنان، ناصر سرور، لـ"المدن". وحسب سرور، فإن الطوابير الموجودة على أبواب الأفران وانقطاع الخبز عن أغلب المحلات والسوبرماركت في بعض المناطق، يعود إلى نقص مادة الطحين لديها، خصوصاً وأن الحصص التي توزعها وزارة الاقتصاد لم تعد تلبي حاجة السوق والمواطنين. وذلك بسبب تهافت الناس على الخبز الأبيض المدعوم، وترك كل أنواع الخبز من الأسمر والتنور والمرقوق، لارتفاع سعرها الجنوني مع ارتفاع سعر صرف الدولار. وقد طالبت النقابة بضرورة زيادة الطحين بنحو 15 في المئة لبعض الأفران، في منطقة بيروت وجبل لبنان لحل أزمة النقص هذه.

غياب الشفافية
لا يوجد أي قرار رسمي، أو حتى حديث عن إمكانية رفع الدعم عن الطحين، أو توجيهات رسمية لرفع أسعار الخبز. وبالتالي، ما يحصل في الأسواق اللبنانية، لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد أزمة مفتعلة.

يأسف العلي وغيره من المواطنين، إلى ما آلت إليه الأمور في لبنان. يقول لـ"المدن": عاد مسلسل طوابير الخبز في بعض المناطق اللبنانية، وتحديداً بعد بلوغ الدولار سقف 90 ألف ليرة". يخشى العلي والكثير من اللبنانيين من إمكانية اتجاه الدولة إلى رفع الدعم، وبالتالي يصبح سعر ربطة الخبز خاضعاً لآليات سعر الصرف.

اختلاف الأسعار
تباينت أسعار الخبز في العديد من المحال التجارية والأفران، على الرغم من القرارات الصادرة من وزارة الاقتصاد بعدم رفع سعر ربطة الخبز. لكن على أرض الواقع، تختلف الأمور، إذ تتحكم قواعد العرض والطلب. حسب سرور، يعود ارتفاع سعر ربطة الخبز إلى ارتفاع سعر صرف الدولار. إذ أن أكثر من 75% من مكونات وإنتاج الخبز مدولرة، ناهيك عن ارتفاع سعر مادة الطحين وتسعيرها وفق 7500 ليرة لكل دولار، وبالتالي سيبقى ارتفاع وانخفاض سعر ربطة الخبز مرهوناً بسعر صرف الدولار.

لا ينفي نقيب الأفران في الشمال طارق المير عودة الطوابير أمام الأفران، في عدد كبير من المناطق اللبنانية. يقول لـ"المدن": قواعد السوق تحكم سعر أي سلعة. في الفترة الماضية، رفض بعض الموزعين تأمين الخبز إلى المحال التجارية والسوبرماركت، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. ووفق المير، يعتمد اللبنانيون بشكل كبير على هذه السلعة الاستراتيجية، ويتأثرون بشكل كبير بحدوث أي نقص في الإمداد، ولذا، بمجرد انخفاض عملية توزيع الخبز، تخشى العائلات من فقدانها، ولذا ظهرت المشكلة بشكل لافت الفترة الماضية. وفق المير، يمكن السيطرة على الأزمة، طالما لايزال الطحين مدعوماً في لبنان، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أزمة خبز.

يساعد الدعم -حسب المير- في استقرار الأسعار، لأنه بعملية حسابية، يتم تسليم طن الطحين، بسعر ثمانية ملايين ليرة، في حين أن سعره في الأسواق العالمية يصل إلى 540 دولاراً، وبالتالي، آلية الدعم المعتمدة تساعد على الأقل في الحفاظ على استقرار الأسعار.

عوامل عديدة تجعل رغيف الخبز مادة دسمة لافتعال الأزمات، في ظل حاجة لبنان إلى استيراد القمح من الخارج، والتي تصل شهرياً لأكثر من 50 ألف طن من القمح، من ضمنه 36 ألفاً للخبز العربي و14 ألفاً لصناعة الحلويات والكعك والمناقيش والخبز المرقوق وغيرها من المنتجات. ومن هنا، يسأل المواطن، إلى أي مدى سيبقى لبنان أمام أزمة جديدة مفتعلة؟