المصدر: النهار
الكاتب: محمد غسّاني
الاثنين 24 تشرين الثاني 2025 10:12:41
يشهد سوق المحروقات في لبنان موجة جديدة من الارتفاع، إذ ارتفع سعر صفيحة البنزين نحو 50 ألف ليرة منذ مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام، في ظل استمرار التقلّبات اليومية. ويأتي هذا فيما تتراوح أسعار النفط عالمياً بين63 و64 دولاراً للبرميل، بعد تراجعها من مستوى 65 دولاراً الذي سجّلته في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، من دون أن ينعكس هذا الانخفاض على السوق المحلية.
هذا الارتفاع المتواصل يثقل كاهل المواطنين، خصوصاً الموظفين الذين يعتمدون على سياراتهم للتنقّل وسط ظروف اقتصادية خانقة. فالمعاشات لا تزال على حالها من دون أي زيادات تواكب غلاء المعيشة، ما يجعل كل زيادة في سعر البنزين عبئاً إضافياً يصعب تحمّله.
كما يبرز غياب أي خطط واضحة للحدّ من تأثير ارتفاعات المحروقات على حياة الناس، الأمر الذي يعمّق الشعور بعدم اليقين. وفي ظل هذا المشهد، يبقى المواطن وحده في مواجهة كلفة يومية تتصاعد من دون حلول فعلية.
أعباء على المواطنين...
في حديثٍ لـ"النهار"، تشير الصحافية نور يزبك، وهي من مدينة صور، وتقيم في بيروت بحكم عملها، إلى أنها تنفق ما بين 30 و40% من راتبها على البنزين أسبوعياً، أي ما يعادل نحو 170 دولاراً شهرياً (قرابة 25% من راتبها الشهري).
وتوضح بأن هذا العبء يُعدّ مرتفعاً مقارنةً بدخلها (من دون أن تحدّده)، "خصوصاً في ظل وجود مصاريف أخرى كإيجار المنزل، والحاجات الحياتية اليومية وغيرها"، مشددةً على أنها تضطر إلى اقتطاع جزء كبير من راتبها (25%) فقط لتغطية كلفة البنزين.
تؤكد يزبك أنها كانت تفضّل العمل من المنزل لو توفرت لها إمكانية ذلك، لكنها مضطرة إلى الحضور يومياً إلى المكتب.
بدورها، تشير سارة عثمان، وهي موظفة في مكتب سفريات في بيروت، إلى أنها تضطر إلى الذهاب يومياً إلى عملها، ما يسبب لها مشكلة بسبب إقامتها في صيدا.
وتوضح بأنها تحتاج إلى نحو 200 دولار شهرياً كمصاريف للبنزين، الأمر الذي دفعها وزملاءها إلى اعتماد نظام المداورة في استخدام سياراتهم للوصول إلى العمل، بحيث يتقاسمون الأيام في ما بينهم لتخفيف العبء.
أما الدكتور كمال ح.، الأستاذ في الجامعة اللبنانية، فيقول لـ"النهار" إنّ مصروفه على البنزين تغيّر بعد أن استبدل سيارته. فحين كان يملك سيارة من نوع "بي أم"، كان ينفق نحو 20% من راتبه على البنزين، أما اليوم ومع استخدامه سيارة "تويوتا"، فقد انخفضت النسبة إلى النصف.
ويُشدّد على أن سعر صفيحة البنزين بات مقبولاً نسبياً مقارنةً براتبه، وتحديداً بعد التحسين الذي طرأ عليه في الفترة الأخيرة.
يتحدث ميلاد عربيد، من عاليه، والموظف في مكتب هندسة في بيروت، لـ"النهار" عن صعوبة التنقّل بسبب المسافة البعيدة، الأمر الذي يدفعه إلى تخصيص نحو 20% من راتبه لتعبئة البنزين.
ويلفت إلى أنه اختار سيارة منخفضة التكلفة في محاولة لتخفيف المصروف، إلا أن ذلك لم يُحدث فرقاً كبيراً عند اضطراره إلى التواجد في المكتب بشكل دائم، علماً أنه يستطيع العمل عن بُعد في بعض الأيام.
ويؤكد عربيد أنه يحاول إيجاد نوع من التوازن بين العمل من المنزل والحضور إلى المكتب.
كم تبلغ نسبة استهلاك البنزين؟
يشهد سوق المحروقات في لبنان حركة متقلبة في ظل تداخل عوامل داخلية وخارجية تؤثّر على الأسعار وحجم الاستهلاك. وبين واقع الاستيراد وكلفة الطاقة وتحوّلات الطلب الموسمية، تتكشف مؤشرات جديدة حول مستويات استخدام البنزين والديزل واتجاهات السوق خلال عام 2025.
في الأرقام، يشير عضو نقابة أصحاب المحطّات جورج البراكس لـ"النهار" إلى أنّ "استهلاك اللبنانيين لمادّة البنزين في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025 بلغ نحو 8 ملايين و300 ألف ليتر يومياً، أي ما يعادل 255 مليوناً و200 ألف ليتر شهرياً. أمّا استهلاك الديزل، فبلغ 10 ملايين و900 ألف ليتر يومياً، أي نحو 332 مليوناً و300 ألف ليتر شهرياً".
ويوضح بأنّ "استهلاك الديزل يفوق استهلاك البنزين، نظراً إلى استخدامه في إنتاج الطاقة وتشغيل المولّدات والمصانع، إضافة إلى التدفئة".
"150 دولاراً شهرياً"...
يقول البراكس إنَّ" الطلب على المحروقات تراجع في الفترة الأخيرة بشكل طفيف، خصوصاً على مادة المازوت، لأنّ فصل الشتاء لم يبدأ فعلياً بعد رغم أننا في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، ولم نشهد بعد انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة".
ويلفت كذلك إلى أنّ عمليات تهريب المحروقات عبر الحدود اللبنانية - السورية تراجعت منذ بدء تخفيف بعض العقوبات على سوريا وعودة حركة الاستيراد لديهم إلى مسار أكثر انتظاماً.
وفي ردٍّ على سؤال حول ما إذا كان سعر البنزين في لبنان يُعدّ من الأعلى عالمياً، يؤكّد البراكس لـ"النهار" أنّ "سعر صفيحة البنزين في فرنسا يبلغ 35 يورو، أي نحو 40 دولاراً"، مشيراً إلى أنّ سعر الصفيحة محلياً "مقبول نسبياً" إذ يقدَّر بنحو 17 دولاراً.
وفي سياق آخر، يتطرّق إلى كلفة البنزين بالنسبة إلى الموظّف اللبناني، موضحاً بأنّه "إذا اضطر كلّ شخص إلى استهلاك صفيحة ونصف أسبوعياً للوصول إلى عمله، أي ما مجموعه 6 صفائح شهرياً، فهذا يعادل نحو 150 دولاراً".
في المحصلة، تبقى تقلبات سوق المحروقات عاملاً ضاغطاً على الحياة اليومية في لبنان، وسط غياب حلول مستدامة لخفض الكلفة على المواطنين. ومع استمرار الارتفاعات وتبدّل الأسعار عالمياً ومحلياً، يظلّ البحث عن بدائل أقلّ عبئاً ضرورة ملحّة في مواجهة الأوضاع الاقتصادية الراهنة.