المصدر: الراي الكويتية
الجمعة 17 تشرين الأول 2025 01:48:34
... الكلامُ إلى غزة والصدى في لبنان. هكذا بدا وَقْعُ مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول «حماس» و«المعركة التي لم تنتِه» في القطاع والمنطقة، والتي لم يَكُنْ مُمْكِناً إغفالُ تأثيراتها على المشهد في «بلاد الأرز» التي تَسعى إلى رَبْطِ نفسها بـ «حَبْلِ النجاة» نفسه الذي التقطتْه الحركةُ بوصفه «قارب الإنقاذ» الأخير للغزاويين من فظائع تل أبيب وإن مع رهانٍ ضمني على تخريبِ إسرائيل بطريقة أو أخرى خطةِ «البيت الأبيض».
وإذ بدا ترامب في كلامه عن أنه «إذا رَفَضَتْ حماس نَزْع سلاحها، فستعود القوات الإسرائيلية إلى الشوارع بمجرد أن أنطق بالكلمة» وكأنه يعلن نفسه بمثابة «القائد الأعلى للقوات المسلحة الإسرائيلية» ويصوّب انطباعاً ساد بتراخٍ ما بإزاء سلاحِ الحركة وتَساهُلٍ مع أدوار أمنية لها في جزء من القطاعِ بانتظار تشكُّل «قوة الاستقرار» الدولية فيه، فإنّ تشظيات هذا الموقف لم تتأخّر في بلوغ لبنان الذي كان الرئيسُ الأميركي استحضَره في خطابه أمام الكنيست يوم الأحد من بوابة ترسانة «حزب الله»العسكرية والإشادة بما يقوم به رئيس الجمهورية جوزف عون في إطار هذه «المَهمة».
وقَطَعَ ترامب بمعاودةِ التلويح بـ «زرّ» الحرب على «حماس» الشك باليقين بإزاء أبعاد ثنائه على أداء الرئيس اللبناني، وأن هذا الأمر يرتكز على أولوية وحتميةِ إنجاز سحب السلاح «كما في غزة كذلك في لبنان»، وسط اعتبارِ أوساط سياسية أن الرئيس الأميركي أطلق ما يشبه «الإنذار السبّاق» الذي يمكن إسقاطُه على «بلاد الأرز» في حال التنصُّل من قرارِ تفكيكِ ترسانة الحزب أو إغراقه في مماطلةٍ تجعله غير مضبوط على «توقيت» الزمن الجديد الذي يريد «سيد البيت الأبيض» أن يتحكّم بـ «عقاربه».
وعلى «الموجةِ نفسها» تم التعاطي مع كلام نتنياهو، عن «أن المعركة لم تنتهِ بعد في غزة والمنطقة، وإسرائيل ستحقق جميع الأهداف التي سعتْ إليها من هذه الحرب»، في ظلّ علامات استفهامٍ تحوم فوق مدى إمكان أن تشكل دعوة عون المتقدّمة إلى تفاوض مع إسرائيل حول النقاط العالقة «بوليصة تأمين» للبنان من أي اندفاعة نار جديدة، ما لم تنقل واشنطن «مطرقة الضغط» الذي مارستْه على تل أبيب في ملف غزة إلى جبهة لبنان وعلى قاعدة جعلها «تقدّم شيئاً» لبيروت في ملف الانسحاب من النقاط التي مازالت تحتلها في الجنوب ووقف الاعتداءات.
وقد تَبَلْوَرَ في الساعات الماضية مناخٌ في لبنان حول أن التفاوض الذي يقصده عون مشروط بأن يَسبقه الانسحابُ ووقف الاعتداءات وعودة الأسرى، وهو ما يتطلّب انخراطاً أميركياً كبيراً لحضّ تل أبيب على تنازلاتٍ إضافية، يُخشى أنها باتت أصعب بعد «تجرُّع» نتنياهو «مُرّ» خطة غزة، خصوصاً في ظل عدم إبداء «حزب الله» أي مرونةٍ في ما خص تسليم سلاحه يمكن أن توفّر للبنان الرسمي نقطة قوةٍ وأفضلية على إسرائيل في «السباق» بين الحلّ على البارد أو حرب جديدة لتحقيق «هدف الأهداف» المتمثّل في تفكيك ترسانة الحزب العسكرية.
عون و«اليونيفيل»
وقد أطلق عون أمام زواره مواقف أكد فيها «أنا مؤتمن على البلد، وأي وسيلة تجعله مرتاحاً وتُبْعِد عنه شَبَحَ الحرب وتؤمّن تحرير الجنوب وإعادة الإعمار مستعدّ للقيام بها»، مشدداً على «وجود مؤشرات إيجابية عديدة تتطلب في المقابل القيام بالعديد من الإجراءات ومنها ما تقوم به الحكومة على صعيد الفجوة المالية».
وأبلغ رئيس الجمهورية قائد قوة «اليونيفيل» الجنرال ديوداتو أبانيارا «أن عديد الجيش الموجود جنوب الليطاني سيزداد تباعاً حتى يصل إلى نحو 10 آلاف عسكري مع نهاية السنة لتحقيق الأمن والاستقرار على طول الحدود الجنوبية بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي تحتلّها، وسيعمل الجيش مع اليونيفيل على تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، إضافة إلى تسلمه كافة المواقع التي تشغلها القوة الدولية عند بدء انسحابها التدريجي من الجنوب حتى نهاية 2027».
وفي إشارة ذات دلالات، جدد عون تأكيده أهمية التعاون والتنسيق بين الجيش و«اليونيفيل» في المجالات العسكرية والإنسانية والخدماتية، مشيراً إلى«أن لبنان على تواصل مع الدول الشقيقة والصديقة للتنسيق في مرحلة ما بعد انسحاب القوة الدولية من الجنوب لضمان الأمن والأمان في المنطقة».
وكان أبانيارا، وضع عون في أجواء الإجراءات التي تنوي القيادة اعتمادها في مرحلة بدء الانسحاب التدريجي للقوت الدولية مع بداية 2027 وحتى نهايتها، مؤكداً«أن الخفض التدريجي لعديد هذه القوات لن يؤثر في المهام الموكلة إليها بالتعاون مع الجيش اللبناني».
ولم يقلّ دلالة كلام أطلقه النائب آلان عون بعد زيارته رئيس الجمهورية، إذ قال إن «الرئيس عون بدأ مساراً معيناً، وسيستمر فيه وقد يتفعل أكثر في الفترة المقبلة، مسار التفاوض والوساطات. مطلوب من الجميع تسهيل مهمته».
وفي حين يزور عون في الساعات المقبلة، روما، للمشاركة في حفل تقديس المطران اغناطيوس مالويان على أن يلتقي البابا ليو الرابع عشر الذي أكد رداً على إبداء الملكة رانيا العبدالله أمامه قلقها إزاء زيارته المرتقبة لبيروت (نهاية نوفمبر) عزمه على الذهاب«في أي حال»، برزت مواقف لرئيس الحكومة نواف سلام أطلقها من عاصمة الجنوب صيدا قبيل غارتين شنّهما الطيران الإسرائيلي على دفعتين على بلدة بنعفول (قضاء صيدا) قبل استهداف منطقة شمسطار البقاعية وعلي الطاهر في النبطية.
وأكد سلام «أن ما كنا ننتظره من مساعدات لإعادة الاعمار تأخر لأسباب لم تعد تخفى على القاصي والداني... ولكن هذا لن يثنينا عن الاستمرار في السعي الدؤوب مع أشقائنا وأصدقائنا لعقد مؤتمر دولي يهدف إلى تأمين التمويل اللازم لإعادة الإعمار».
وأعلن أن «المنطقة تعيش على وقع تحوّلاتٍ تاريخيةٍ كبرى، تتجاوز حدود الجغرافيا، إذ إنها تبدّل موازين القوى وتعيد رسم خرائط المصالح، وهذه التحوّلات تفتح آفاقاً جديدة للاستقرار كما تنذر بمخاطر وتحدّيات لا تقلّ جسامة».
وقال «في ضوء هذه التطوّرات الإقليمية والدولية، ولاسيّما ما عبّرت عنه اللقاءات الأخيرة - ومنها مؤتمر شرم الشيخ - من مؤشراتٍ على مرحلةٍ جديدة، يؤكد لبنان تمسّكه بموقعه ودوره الطبيعي في محيطه العربي والدولي، على قاعدة المصلحة الوطنية التي يجب أن تبقى البوصلة والميزان لكل السياسات والمقاربات».
وأضاف سلام أن «لبنان لا يعيش بالعزلة ولا يحيا بالتبعية... بل بالتوازن وبقدرته على أن يكون مساحة التقاءٍ لا ساحة تنازع. وما أظهرته هذه المرحلة يؤكّد أنّ الدول التي تُحسن قراءة التحوّلات التي تشهدها منطقتنا هي وحدها القادرة على حماية مصالحها وصون أمنها. فوحده لبنان القويّ بدولته، بمؤسساتها وبجيشه الواحد، هو لبنان القادر على الدفاع عن أرضه وصون أمن أبنائه».