استهداف قطر… إنذار للمنطقة ومعها لبنان

الاستهداف الإسرائيلي الأخير لدولة قطر الذي كسر المحرمّات الدولية والاقليمية، حمل في طياته أبعاداً استراتيجية تتجاوز حدود اللحظة المباشرة. فإسرائيل بانتقالها إلى ضرب دولة خليجية محورية كسرت قواعد اشتباك راسخة، ووجهت رسالة مزدوجة: أولاً إلى العواصم العربية الناشطة في مساعي التهدئة في غزة ولبنان، وثانياً إلى المجتمع الدولي الذي ينظر إلى الخليج باعتباره منطقة حيوية للمصالح الاقتصادية والأمنية العالمية، وتجاوز هذه الخطوط الحمراء فتح الباب واسعاً أمام تساؤلات عن حدود المغامرة الإسرائيلية وعن قدرة الأطراف الدولية على ضبط اندفاعة تل أبيب.

إقليمياً، حمل الاستهداف دلالات لا تخطئها العين. فإسرائيل أرادت القول إنها قادرة على توسيع دائرة المواجهة لتشمل بيئات لم تكن في قلب النار سابقاً، وبالتالي تهديد دول الخليج التي تلعب أدواراً دبلوماسية وسياسية مؤثرة. الرسالة الثانية كانت إلى الأطراف العربية التي تحاول صياغة مبادرات لوقف النار في غزة أو لتخفيف حدة التوتر في جنوب لبنان، إذ أرادت تل أبيب أن تضع خطوطاً حمراء جديدة أمام أي مسعى للوساطة أو الضغط السياسي. ومن زاوية أخرى، بدا الاستهداف وكأنه اختبار لقدرة المنطقة على امتصاص صدمة جديدة، ومدى استعداد المجتمع الدولي للتعامل مع تصعيد لا يقتصر على فلسطين أو لبنان بل يتجاوزهما إلى عمق الخليج.

دولياً، شكّل التطور إحراجاً كبيراً للولايات المتحدة، الحليف الأول لإسرائيل، خصوصاً أن قطر تستضيف واحدة من أهم القواعد الأميركية في الشرق الأوسط (العديد). وإذا كان الهدف الإسرائيلي الضغط على واشنطن لتليين مواقفها في ملفات تفاوضية معينة، فإن النتيجة العكسية قد تتحقق عبر دفع الولايات المتحدة إلى مراجعة دعمها غير المشروط لتل أبيب، بعدما باتت الاعتداءات تمسّ مباشرة أمن شركائها الأساسيين. وفي السياق نفسه، وجدت أوروبا نفسها أمام تحدٍ جديد، إذ لا يمكنها التغاضي عن استهداف دولة تشكّل جزءاً من منظومة الطاقة العالمية التي تعتمد عليها القارة بشكل متزايد.

اما البعد الأكثر عمقاً في القراءة اللبنانية يتمثل في استيعاب الدروس الإقليمية والدولية لهذا الحدث. فإذا كانت إسرائيل لم تتردد في استهداف قطر رغم ثقلها الاقتصادي والسياسي وعلاقاتها الدولية، فإن لبنان الأكثر ارباكا قد يكون عرضة لمخاطر أكبر ما لم يُحصّن نفسه سياسياً وأمنياً. لذلك، ربط المسؤولون اللبنانيون بين التضامن مع قطر وبين ضرورة تعزيز التنسيق الداخلي وتحييد لبنان عن أي محاولات لاستخدامه ساحة للصراعات. وفي الوقت نفسه، يسعى لبنان إلى استثمار الإدانات الدولية الواسعة ضد الاستهداف لتثبيت موقعه ضمن منظومة إقليمية ودولية رافضة للتصعيد الإسرائيلي، ما قد يشكّل غطاءً دبلوماسياً يردع أي عدوان محتمل.

وعلى مستوى السيناريوهات المستقبلية، يمكن القول إن لبنان يقف اليوم أمام ثلاث فرضيات أساسية. الأولى أن تنجح الجهود الدولية والعربية في ضبط السلوك الإسرائيلي ومنع التوسع في الاعتداءات، وهو ما يمنح بيروت فسحة زمنية إضافية لترتيب أوضاعها الداخلية. الثانية أن تستمر إسرائيل في التصعيد واستخدام الساحات العربية المختلفة لتمرير رسائلها، ما يعني أن لبنان سيكون معرضاً لضغوط أمنية وسياسية متزايدة تستلزم أعلى درجات الجهوزية. أما الفرضية الثالثة، الأكثر خطورة، فهي الانزلاق إلى مواجهة إقليمية واسعة لا تقتصر على غزة أو قطر أو لبنان اوسوريا، بل تشمل أكثر من ساحة عربية لا سيما العراق، وهو سيناريو من شأنه أن يضع لبنان في قلب عاصفة قد لا يملك أدوات كافية لاحتوائها.

في كل الأحوال، يدرك لبنان أن موقعه الجغرافي ودوره السياسي يجعلان منه نقطة تقاطع حتمية في أي صراع إقليمي، وأن قدرته على النجاة تكمن في تعزيز مناعته الداخلية واستثمار التضامن العربي والدولي بعد استهداف قطر لتأمين مظلة حماية تمنع إسرائيل من جرّه إلى حرب مقتلة جديدة.