"اغتيال" الغابات في لبنان و"مافيات" قطع الأشجار تتوسّع في عملها التخريبي

مما لا شك فيه ان ضمير مافيا قطع الأشجار معلّق الى اجل غير مسمّى بسبب جرائم انتزاع أشجار الغابات وممارسة التحطيب الجائر في لبنان الأخضر الغني بموارده الحرجية وطبيعته الخلابة التي يتغنى بها الغرب والشرق. وما زاد الطين بلة، هو ارتفاع اعداد الحرائق التي يفتعلها تجار الحطب مع بداية كل فصل شتاء؛ خاصة في ظل الاضطراب المادي الراهن وارتفاع أسعار المحروقات وعدم قدرة اغلبية العائلات على شراء المازوت بقصد استخدامه للتدفئة في أيام الثلج والصقيع.

في سياق متصل، تشن مافيا تقطيع الأشجار حرب إبادة بيئية دون هلع او حساب لأي جهة رسمية او خاصة وهذا الفعل الاجرامي يُنعش تجارة الحطب مع بدء تقلب الأحوال الجوية وبرود الطقس وانخفاض درجات الحرارة خاصة في المناطق الجبلية، مصطنعين الحرائق تارة و "تشحيل" او "تفريد" الأشجار طورا. وما بين هذا وذاك الثروة الحرجية في لبنان تتقلص وهذا يؤثر على المناخ ويزيد من خطر التلوث ويلحق الأذى بالبيئة والانسان والنبات والحيوان.

"الزراعة" تحذر!

وفي هذا الخصوص، قالت مصادر في وزارة الزراعة لـ "الديار": "مع اقتراب فصل الشتاء يبدأ بعض المواطنين وعلى وجه التحديد الذين يسكنون في الارياف بمحاولة الحصول على حطب من اجل التدفئة لذلك فإن وزارة الزراعة عمّمت على كل من يريد امتلاك الحطب ان يتقدم بطلب تشحيل رسمي عبر مكتب الوزارة في القضاء، وبالتالي يمكنه نيْل الكمية المطلوبة من ارضه".

وتابعت موضحة، "في حال كانت الكمية أكبر من المطلوب فله حرية التصرف بها، ولكن يتوجب عليه الالتزام بشروط ومعايير عمليات التشحيل التي تعتبر مفيدة للشجرة، وتمنع سرعة امتداد الحرائق الى الأشجار بعد رفع اغصانها التي تلتمس الأرض"

أضافت المصادر، "لكن يوجد بعض الاشخاص الذين يجعلون من ثروة لبنان الحرجية مصدراً لتجارة غير شرعية يمارسونها، فيبدأ هؤلاء بعمليات قص للأشجار المتواجدة في الاحراج، وتسعيرها ونقلها الى مكان تواجد الزبون، وهو عمل جرمي يحاسب عليه القانون، وكان قد أجرى معالي وزير الزراعة سلسلة تحركات من اجل التشدد مع هؤلاء وطلب تدخل الجيش اللبناني والقوى الامنية الى جانب حراس الاحراج لوضع حد لأمرين: "الحرائق المفتعلة، وقطع الاشجار الجائر".

وختمت، "نستطيع القول اليوم ان بتر الأشجار هذا العام أخف من السنة الماضية، وبالتالي يمنع قطع اي شجرة دون تقديم طلب لوزارة الزراعة مرفقاً بتقرير حراس الاحراج والدوائر والمصالح المختصة، على ان يتم دراسته في بيروت وابداء الرأي النهائي فيه. والوزارة ستتشدد في هذا الموضوع لإيقاف نحر الاشجار القاهر حتى الوصول الى صفر قطع اشجار في لبنان".

طبيعة لبنان مهددة!

في سياق بيئي متصل، شرحت الناشطة في مجال البيئة وحماية الطبيعة ايمان الدهيبي لـ "الديار"، "ان ما يحدث في الاحراج والغابات اللبنانية يعد من اهم المشاكل وأكثرها ضررا وتأثيرا على التنوع الحيوي، وهو قبل ذلك اغتيال صريح لخيرات الأرض اللبنانية الجمالية والطبيعية".

"الديار" تتبعت خطوات ومراحل ثلّة خارجة عن القانون، تمارس اغتيال الثروة الطبيعية بزعم الفقر، والقلّة والحاجة، لكنها في حقيقة الامر تبحث عن الربح المادي، من خلال لصوصية جني المال الحرام، انطلاقا من ممارسات منحرفة وغير قانونية فتستخدم أدوات لنحر الاف الأشجار المعمرة، مثل: الفؤوس والمناشير الكاتمة للصوت والبلطات والنيران جراء الحرائق المفتعلة، وتحويل عشرات الاف الدونمات من الاحراج والمحميات الطبيعية التي تكاد تنطق من شدة روعتها الى مساحات سوداء متفحمة محروقة قاحلة.

وفي هذا الصدد، قال الناشط البيئي نجاح أزعور لـ "الديار"، "للأسف يفجع لبنان يوميا بخسارة مئات الأشجار من الغابات. لافتا، الى حجم الدمار الذي لحق بأحراج لبنان في الفترة الأخيرة، فالهجوم على الغابات يجري من قبل أصحاب النفوذ عن طريق اشعال الحرائق، او التنكيل بالأشجار. والعين على تقحيل الأراضي لاستثمارها في بناء مشاريع سياحية، او لاستثمار الأرض في الزراعة. أضاف، هذا الى جانب الفصل والتحطيب بقصد التدفئة، وهو الأكثر ذيوعا. مشيرا، الى ان البعض امتهن قطع الحطب بهدف التجارة وإيجاد دخل، وهناك من يقطع الشجر للحصول على الحطب كمادة غير مكلفة للتدفئة، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار المحروقات.

 

اعداد "تجار" الحطب الى ارتفاع!

في شأن حرجي متصل، تكاثر تجار ترويج الحطب المجتث ظلماً على أطراف القرى ومفارق الطرقات، ففي البقاع الأوسط يسوق الحطب بشوالات مرصوصة في عدد من الشاحنات الصغيرة وفي السيارات و "البيك اب". وسعر الشوال يختلف بحسب نوعية الحطب ليتراوح ما بين الـ 5 ملايين ليرة والـ 7 ملايين، والشجر المجتث معظمه من الصفصاف، والبلوط والصنوبر، والزيتون والتوت والتين؛ بالإشارة الى ان سعر الشوال في الشتاء المنصرم كان يتأرجح ما بين الـ 3 و5 ملايين ليرة لبنانية. وهذه الأسعار غير ثابتة وسترتفع مع اشتداد العواصف والثلوج والصقيع في الشتاء حيث تصبح الحاجة لشراء شوالات الحطب ضرورية، لكن المحزن ان بعض الأشجار المعمرة لم تسلم من عصابة مستجدة على الساحة منظمة تتحكم بصرف الحطب للتدفئة كسوق سوداء.

على خطٍ موازٍ، قال مصدر في بلدية قب الياس لـ "الديار": "تتضاعف همّة عصابة تجارة الحطب في مثل هذا الوقت من كل عام، وتحتضن هذه المنطقة أجمل حديقة عامة خضراء في الشرق الأوسط تمتد مساحتها على طول 9000 متر من الأشجار والورود المتنوعة الألوان والانواع والاشكال والاجناس؛ وكانت البلدية دشنت في فترة سابقة دروبا جبلية وترابية مع تشجيرها للوصول الى قلعة حيدرة التي تعد من اهم المعالم الاثرية والتاريخية. ولكن هناك بعض الاحراج لم تفلَت من مافيا نحر الأشجار خاصة تلك البعيدة عن النظر بحيث يستفرد الجزارون بعشرات الأنواع المعمرة ويقطعونها بدم بارد ويتم نقلها بالسيارة للتمويه والتضليل".

اما في منطقة الحمراء في مجدل عنجر وتلة النبي العزير وفي غزة ولالا والمنارة، فيمارس التحطيب في الاحراج باستخدام تقنيات حديثة تحول دون اكتشاف الجهات المعنية الامر من قبل وزارة الزراعة والبيئة ومفتشي وحراس الاحراج. أيضا هذه المجازر تحصل في عدد من المناطق الشمالية وبقاعصفرين والكورة ووادي خالد. ويقول محمد خليل من عكار، "يستخدم بعض الافراد الات النشر ورافعات خاصة في السيارات لقطع الأشجار الضخمة. مردفاً، ان مافيا الحطب تضرم الحرائق وبعد ان يقوم الدفاع المدني والجيش اللبناني والبلدية بعمليات الإطفاء يعود هؤلاء اللصوص لتحطيب الأشجار حيث يقومون ببيع الحطب الى عدد من التجار في معظم المناطق اللبنانية الذين بدورهم يعاودون بيعه مجددا لأصحاب المنازل التي يتواجد فيها مواقد تعمل على الحطب".