اقتصاد كرة القدم: ما جدوى المونديال لدولة قطر؟

منذ انطلاق النسخة الحاليّة من بطولة كأس العالم، تم تداول رقم 220 مليار دولار كتقدير أوّلي لكلفة تنظيم هذه المناسبة الرياضيّة، فيما أشارت بعض وسائل الإعلام لأرقام أعلى لامست حدود 300 مليار دولار. وقد تم استعمال هذا النوع من الأرقام على نطاق واسع طوال الأيّام الماضية، للتصويب على الكلفة الباهظة التي تحمّلها القطريون، مقارنة مع نسخ المونديال السابقة ولم تبلغ كلفتها أكثر من 1.94 مليار دولار بالنسبة إلى مونديال روسيا 2018، ونحو 2.22 مليار دولار بالنسبة إلى مونديال البرازيل 2014. وبشكل من الأشكال، كانت جميع هذه المقارنات تطرح بشكل غير مباشر السؤال عن الجدوى الاقتصاديّة المرتبطة بتنظيم هذا الحدث، وبهذه الكلفة، من قبل دولة قطر.

والغوص في إشكاليّة الجدوى الاقتصاديّة، يقودنا إلى السؤال عن مصدر تقديرات 220 أو 300 مليار دولار، ونوعيّة النفقات المشمولة فيه، ومدى ارتباطها بخطط قطر أو أهدافها الاقتصاديّة الأخرى. ومن هنا، يمكن تقدير جدوى هذه النفقات وأبعادها.

مغالطة تقدير الأكلاف
قبل سنتين من تقدّم قطر بطلب استضافة كأس العالم، وتحديدًا عام 2008، أقرّت البلاد استراتيجيّة تنمويّة عُرفت بإسم "رؤية قطر الوطنيّة 2030"، على غرار الخطط الشاملة التي تعتمدها الدول الراغبة بالتخطيط الاقتصادي الطويل الأمد. وكجزء من هذه الرؤية، امتلكت البلاد أساسًا أهدافًا واضحة لتوسعة كفاءة البنية التحتيّة وقدرتها على الاستيعاب، لمواكبة التحوّلات في حجم الناتج المحلّي وعدد السكّان ووتيرة نمو النشاط الاقتصادي. بمعنى آخر، كان لدى قطر أساسًا خططها للإنفاق على بنيتها التحتيّة، وعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن، قبل التقدّم بملف الاستضافة.

في أيّار 2010، يوم تقدّمت قطر بطلب استضافة المونديال، ضمّنت ملفّها الخطط الموجودة أساسًا من ضمن "رؤية قطر الوطنيّة 2030"، في مسعى لمطابقة أهداف الإنفاق الموضوعة مع خطط الامتثال لمعايير الفيفا الصارمة. ففي العادة، تفرض الفيفا معايير صارمة بخصوص قدرة خطوط المواصلات والاتصالات وشبكة الكهرباء والصرف الصحيّة والفنادق على استضافة هذه المناسبة، وهو ما جرى تنسيقه جنبًا إلى جنبًا مع مخططات تطوير البنية التحتيّة القطريّة. وبهذا المعنى، ما قامت به قطر هنا كان تقريب مهلة إنجاز هذه المشاريع، من 2030 كما نصّت رؤيتها الوطنيّة، إلى 2022 كما نصّت تعهّدات ملف طلب استضافة المونديال.

مع الإشارة إلى أنّ قطر التي يسكنها اليوم 3 ملايين مقيم، يفترض أن تستقبل خلال فترة تنظيم المونديال 1.5 ملايين زائر، ما يفرض عمليًّا تعزيز البنية التحتيّة لمواءمة هذه الزيادة المؤقّتة في عدد المقيمين. وهذه الأهداف، تتلاقى مع طموحات رؤية 2030 الطويلة الأمد، المرتبطة بتطوير قدرات هذه البنية التحتيّة.

بهذا المعنى، ومنذ قبول ملف قطر لاستضافة المونديال في كانون الأوّل 2010، أنجزت قطر مشاريع من قبيل:

- بناء مترو الدوحة لربط المفاصل الاقتصاديّة الأساسيّة في المدينة مع ضواحيها، بكلفة 36 مليار دولار.

- استحداث مدينة لوسيل بكلفة 45 مليار دولار، بحجم قادر على استيعاب 200 ألف نسمة في شمال الدوحة، بما يواكب النمو الديموغرافي في البلاد.

- توسعة مطار الدوحة، لزيادة قدرته الاستيعابيّة لغاية 58 مليون مسافر سنويًّا، بكلفة 15.5 مليار دولار.

- بناء ميناء حمد بكلفة 7.4 مليار دولار.

- إعادة بناء وسط مدينة الدوحة بكلفة 4.5 مليار دولار.

- تطوير المناطق الاقتصاديّة الحرّة بكلفة 3.2 مليار دولار.

كل هذه التكاليف، ليست سوى مثال عن مجموعة كبيرة من المشاريع التي هدفت لمواكبة النمو الاقتصادي الذي تشهده قطر، وبما يتماثل مع شروط الفيفا لتنظيم المونديال، من دون أن تنحصر فائدة المشاريع بهذه المناسبة. أمّا نفقات بناء الملاعب، فاقتصرت –حسب وكالة بلومبيرغ- على نحو 10 مليارات دولار فقط، بعد أن تم تقليص عدد الملاعب الجديدة المستحدثة من 9 حسب طلب الاستضافة الأصلي عام 2010، إلى 7 حسب طلب إعادة نظر تقدّمت به الدوحة عام 2014. مع الإشارة إلى أنّ تقديرات ناصر الخاطر، مساعد الأمين العام لشؤون تنظيم بطولة كأس العالم في قطر، تحصر هذه القيمة بنحو 8 مليارات دولارات فقط.

وفي جميع الحالات، من المعلوم أن دولة قطر كانت قد استفادت خلال الفترة الماضية من ارتفاع أسعار الغاز العالميّة، وتسابق الدول على تعزيز أمن الطاقة لديها، عبر زيادة الاعتماد على الغاز المُسال، الذي تُعد الإمارة أبرز مصدّريه. ولهذا السبب بالتحديد، من المترقب أن تفوق نسب النمو التي تتوقّعها قطر –قبل العام 2030- تلك التي تم توقّعها عند إعداد الرؤية عام 2008، ما سيزيد من حاجة توسيع كفاءة واستيعاب البنية التحتيّة، لتعزيز مقوّمات النمو الحاليّة، ما يزيد من حاجة قطر لهذا النوع من النفقات الاستثماريّة.

العوائد الماديّة المتوقّعة
على المقلب الآخر، تقدّر قطر أن تبلغ عوائد تنظيم المونديال على اقتصادها المحلّي بنحو 17 مليار دولار، بما يشمل النفقات المرتبطة بالأنشطة الرياضيّة بشكل مباشر (بيع التذاكر والإعلانات)، والعوائد غير المباشرة (الإنفاق السياحي للزوّار المرتقبين). لكن وبمعزل عن عوائد الموسم نفسه، والتي يعتقد البعض أنها ستقل عن هذه التقديرات الرسميّة المتفائلة، تراهن الدول في العادة على هذا النوع من المناسبة لتسويق بلادها كمقصد سياحي على المدى الطويل، ولتعزيز جاذبيّتها في أعين شعوب العالم الأخرى، خصوصًا أن عدد مشاهدي هذا الحدث سيتجاوز الخمسة مليارات شخص حسب تقديرات الفيفا. وبهذا المعنى، تتوقّع قطر أن يكون هذا الاستحقاق الرياضي قد حقق الجدوى الاقتصاديّة المرجوّة منه، سواء على المدى القصير أو على المدى الأطول.

في جميع الحالات، للحكم بشكل نهائي على هذا الموضوع، يفترض أن يتم تقييم نتائج الإنفاق الاستثماري نفسه، في ضوء أثر توسّع البنية التحتيّة على النشاط الاقتصادي داخل قطر على المدى المتوسّط، خلال السنوات المقبلة. إلا أنّ هذا التقييم، سيرتبط أولًا بخطة "رؤية قطر الوطنيّة 2030"، لا المونديال نفسه، خصوصًا أن هذه الخطّة نصّت على هذا التوسّع بمعزل عن تنظيم هذه المناسبة الرياضيّة. لكن وكما بات واضحًا اليوم، تشير تحوّلات سوق الطاقة الدوليّة إلى أن إيرادات دولة قطر في طريقها إلى التنامي بشكل مضطرد خلال السنوات المقبلة، ما يوحي بأن رهانات الخطّة على توسّع اقتصاد قطر المحلّي لن تكون بعيدة عن الواقع.