"الأوتوستراد العربي" حلم لم يتحقق.. فهل يلقى حلم النفق المصير عينه؟

ما بين نعمة الطبيعة والموقع الجغرافي الذي يربط لبنان بالبحر المفتوح على الغرب والتجارة الدولية، ومنه إلى العمق العربي والأسواق الكبيرة في الخليج والعراق وغيرهما، وما بين وقوع لبنان الدولة والمؤسسات الرسمية في قبضة ثقافة التسويف واستسهال التأجيل، وهدر التمويل والطاقات، وقعت مشاريع تنموية عدة، ومخططات تطوير وتحسين بنى تحتية ضرورية، في أسر وشرك الفساد الرسمي المستشري في عقود التلزيم والصيانة. كذلك غاب على الدوام وجود برنامج وطني استراتيجي يقدم الأولويات على الثانويات، والمشاريع الأساسية التي تخدم التقدم الاقتصادي والتنموي، على المشاريع المعدومة العائد والإفادة على الاقتصاد.

في الماضي كما في الحاضر، لا تزال مشاريع عدة وأحلام عظيمة لو تحقق بعضها لامتلك لبنان المزيد من القوة والمناعة الاقتصادية، وفي مقدمها "مشروع الأوتوستراد العربي" الذي بدأ الكلام عن ضرورته القصوى وحاجة لبنان إليه اقتصادياً ونقدياً من خلال الخدمات والتسهيلات التي يقدمها إلى التجارة الدولية والترانزيت عبر لبنان ومرافئه البحرية.

طرحت أفكار ومشاريع عدة على مدى عقود حول ضرورة المباشرة بتنفيذ هذا المشروع الحيوي، إلى أن بدأ الكلام الجدي عنه مع بداية إطلاق ورشة إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية، وبوشر رسم الخرائط ودراسات الجدوى الاقتصادية والبحث في كيفية التمويل والتلزيم، أو اعتماد الـBOT أو غيرها من الأطر الاستثمارية الشائعة في أوساط المال والأعمال.

تركزت الجهود على تحقيق أمرين أساسيين، الأول ربط نقطة انطلاق المشروع من مرفأ بيروت بالحدود السورية دون انقطاع أو توقف لتسهيل النقل واختصار الكلفة والوقت. والثاني هو تقسيم المشروع إلى أقسام عدة وتلزيم كل منها لشركة مختلفة بغية الإسراع من جهة في ربط لبنان باقتصاد المنطقة وخصوصاً الخليج العربي الذي كانت بوادر الانتعاش الاقتصادي فيه قد بانت ملامحها بقوة، ومن جهة أخرى لتسهيل إيجاد تمويل دولي عبر المؤسسات والدول الشقيقة المانحة.

لم ينته تنفيذ المشروع حتى الآن لأسباب مختلفة، ليس أولها التوقف شبه الكلي عن تلزيم وتمويل مشاريع كبرى بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي كان يضع إنجاز "الأوتوستراد العربي" في أولويات مشاريعه الإعمارية. وكذلك لافتقار البلاد على الدوام إلى خطة استراتيجية طموحة تحدد الأولويات والحاجات الضرورية للاقتصاد ودور حركة النقل والترانزيت في خدمة النمو الوطني، وفي إرساء شراكة تجارية واقتصادية متينة مع اقتصاديات المنطقة التي كانت منذ تسعينيات القرن الماضي تنمو بصورة مطردة يمكن للبنان الإفادة جداً منها.

سقط حلم ربط لبنان حضرياً بالعالم العربي، وسقط مرفأ بيروت بضربة "النيترات"، وبات ما أُنجِز من مشروع الأوتوستراد العربي بحاجة قصوى لا إلى إكمال أقسامه القابعة في أدراج التلزيم فحسب، بل إلى صيانة بقاياها وإعادة مدها بالإنارة وتجهيزات السلامة المرورية.

الى مشروع الاوتستراد العربي، ثمة مشروع آخر يخشى أن يوضع في الأدراج وهو نفق بيروت #البقاع الذي يربط مرفأ بيروت بالبقاع مباشرة بطول 25 كلم.

المشروع يعيد التذكير بالمشروع الذي كان قد طرحه النائب السابق المرحوم موريس الجميّل منذ ما يزيد عن 60 سنة، ويقضي بإنشاء نفق يربط بيروت بالبقاع، يتضمّن خطّي سير ذهاباً وإياباً، ومعهما سكة حديد تربط لبنان تجارياً بالخليج العربي والعراق مروراً بسوريا والأردن، بيد أن الخلافات السياسية والنكايات الحزبية منعت تحقيقه.

اليوم يعود المشروع الى الواجهة، وإن بتفاصيل مختلفة، فهل تضع السياسة والإهمال المشروع على مقصلة الإقصاء، بما يضيّع على لبنان فرصة إعادة دوره التاريخي في ربط الغرب بالشرق أقله تجارياً بما يخدم مصالحه الاقتصادية والنقدية؟

حميّة: الإنفاق على صيانة الأوتوسترادات معدوم!

وما بين حلمي الاتوستراد العربي ونفق بيروت البقاع، تبقى طريق ضهر البيدر شاهدة على الإهمال بسبب غياب التمويل اللازم لتأهيلها مع انعدام الأموال في وزارة الاشغال. ويؤكد وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية لـ"النهار" أن الاتوسترادات عموماً كانت في حاجة الى صيانة بنحو 248 مليون دولار في عام 2018، فكيف الحال حالياً مع تدهور أوضاع الاوتوسترادات، فيما موازنة وزارة الاشغال لا تتعدى مليونين و400 ألف دولار. وقال "بقرار من مجلس الوزراء، تم تكليف شركة لإجراء دراسة لطريق ضهر البيدر (من الحازمية حتى شتورا) من ضمن أوتوسترادات عدة، وتبيّن أن الشق المتعلق بطريق ضهر البيدر يكلف نحو 20 مليون دولار"، لافتاً الى أن "الإنفاق على صيانة الاتوسترادات معدوم تقريباً حالياً، ولا تتجاوز نسبته نحو 1% مما كان يُنفق سابقاً".

وتطرّق الى موضوع نفق بيروت البقاع، مؤكداً متابعته للملف، عبر عقده اجتماعات عدة مع أكثر من 7 سفارات غربية وعربية ليصار الى تنفيذه بنظام الـBOT بناءً على القانون الذي أقر في مجلس النواب، ولكنه لم يتلقّ أجوبة حتى اليوم.

ماذا عن الاوتوستراد العربي؟ يؤكد حمية أن "لا علاقة لوزارة الاشغال بالاوتوستراد العربي لا من قريب ولا من بعيد، أي من الإعداد والتخطيط حتى التنفيذ".

الأوتوستراد العربي: 100 مليون دولار ولم ينجز!

تعود فكرة إنشاء الاوتوستراد العربي الذي يُعرف أيضاً بـ"أوتوستراد الشرق" الى عام 1967، إثر صدور توصية عن اللجنة الدائمة للمواصلات التابعة للأمانة العامة للجامعة العربية بعد الحرب العربية الإسرائيلية، تقضي بربط الساحل الشرقي للبحر المتوسط بالبلاد العربية، أي من الشرق الى الخليج العربي ومن تركيا في الشمال الى مصر وأفريقيا.

وُضعت الدراسة الأولية للمشروع في عام 1969 ثم جرى تحديثها عام 1982 ولكن الاحداث التي مر بها لبنان أجلت تنفيذ المشروع حتى عام 1994 عندما أصدر مجلس الوزراء قراراً أجاز بموجبه لـ"مجلس تنفيذ المشاريع الإنشائية" يومها البدء بتنفيذ المشروع، الذي انتقل لاحقاً الى مجلس الانماء والاعمار نتيجة دمج المجالس الإعمارية.

 

مدير "مشروع تطوير النقل الحضري" المهندس إيلي الحلو أكد لـ"النهار" أن مشروع "الاوتوستراد العربي" لم ينجز بأكمله بسبب الظروف ووقف الاعتمادات المخصصة له من الدولة، لافتاً الى أن القسم المنجز منه يمتد من شتورا الى بوارج، ولكن لا يمكن تحويل السير إليه لأن الاوتوستراد لم يكتمل ليصل الى ضهر البيدر، وتالياً لا يمكن استخدامه لكونه في حاجة الى أشغال مثل تدعيم التربة وتشييد الجدران المحاذية وتصريف مياه الأمطار، علماً بأنه يجري استخدام الطرقات الفرعية منه.

ويقدر الحلو حجم الإنفاق على المشروع بنحو 100 مليون دولار على الاجزاء المنجزة، بعدما كنا نقدر عام 2016 الحاجة الى ما بين 60 و70 مليون دولار إضافية لإنجازه كلياً للوصول الى نقطة حاجز الجيش في منطقة النملية". وعن مصادر التمويل يشير الحلو الى أن "التمويل الخارجي للمشروع الذي ناهز الـ80% انتهى منذ عام 2015 (تمويل سعودي، وصندوق الأوبك للتنمية الدولية)، وبعد هذا التاريخ بدأ التعويل على التمويل المحلي ولكن يبدو أنه لا أموال متوافرة لاستكماله".

ويرى الحلو أن أهمية "الاوتوستراد العربي" الذي ينطلق من لبنان في كونه يربط دولاً عربية بعضها ببعض وسوريا والعراق والأردن والسعودية، لافتاً الى أن "الدول العربية الباقية أنجزت المشروع على أراضيها وبعضها بحاجة الى إعادة تأهليه جراء الحوادث والحروب فيما لبنان أنجز أقل من 50% من المشروع".

نفق بيروت البقاع... حلم آخر!

في نيسان من عام 2020 صادق مجلس النواب على مشروع نفق بيروت البقاع الذي يربط مرفأ بيروت بالبقاع مباشرة بطول 25 كلم وفق نظام الـBOT. ويؤكد النائب هادي أبو الحسن الذي يتابع الملف، أن قانون إنشاء طريق ونفق بيروت-البقاع أقر في نيسان 2020، إذ أجاز القانون الذي يحمل رقم 174/2020 إجراء الدراسات اللازمة لتنفيذ المشروع في غضون 6 أشهر من تاريخ إصداره، وهذا ما لم تستطع الحكومات السابقة إنجازه نتيجة الأزمات التي مرت بها في لبنان. ولكن الموضوع عاد الى الواجهة بعد انقطاع ضهر البيدر مراراً نتيجة انجراف السيول والتربة، فنشطت الحركة مع المعنيين من أجل الدفع باتجاه بتنفيذ الدراسات وتحديد الخيارات المتاحة لتنفيذ المشروع.

ومن بين الأفكار التي طُرحت للنفق أن يشمل المشروع إنشاء طريق سريع تمر بمحاذاة المنطقة الممتدة بين المتن الشمالي والمتن الجنوبي. وأكد أبو الحسن أن اللقاء الديموقراطي طلب إجراء بعض التعديلات على النفق ليسلك اعتباراً من قناطر زبيدة صعوداً بالوادي الذي يحتضن نهر بيروت، ومن ثم ينحرف يساراً الى الوادي الذي يحتضن نهر الجعماني أي أن يمر بين بلدتي رأس المتن وبيت مري، ومن ثم بين بلدة صليما والعربانية من جهة وبلدة بعبدات من جهة أخرى وصولاً الى النقطة المعروفة بجسر الخشب بين بلدتي زبدين والمتين ومنها الى النفق نحو البقاع، بما يراعي الشروط البيئية والتوازن الإنمائي والاقتصادي، ويحقق الهدف الاستراتيجي المتمثل باستكمال الأوتوستراد العربي. أما بالنسبة للتمويل، فهو برأي أبو الحسن سابق لأوانه قبل إنهاء الدراسات المطلوبة، علماً بأن تلزيمه سيتم عبر الـBOT.

وأكد عقده لقاءً مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حضور رئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر، وكان التركيز على تنفيذ المشروع بناءً على قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص المقر عام 2019.