الإقتصاد اللبناني: ما نفتقده

كتب عضو المكتب السياسي في حزب الكتائب البروفيسور آلان حكيم في النهار:

الكلام عن الموازنة لم يعد مجدياً لا سيّما أنّ من يضع الموازنة ويبدي رأيه فيها ويجري تعديلات عليها ويناقشها هم أصحاب المنظومة ذاتها الذين وُجدوا في الحكم منذ ما قبل الأزمات المالية والإقتصادية حتى اليوم.

تباعاّ، علينا الإبتعاد عن موضوع الخطّة الإقتصادية الشّاملة التي أصبحت بمتناول الجميع علماً أنّ المواطنين يعلمون أنّ لا شيء تحسّن أو تغيّر في السّنوات العشرة السّابقة، فالنتيجة المأساوية ظاهرة وواضحةً للجميع.

لذلك، علينا اليوم أن نكون واقعيين ونعترف بواقع عالمي يترجم التميز للدول وإقتصاداتها، فنحن نعيش في مجتمعٍ عولميًّ ومناطقي وخلاصنا يبدأ من تطوير السّلع والإنتاج الذي يشكل قيمة مضافة عالية على صعيد التجارة الدولية.

وإنطلاقا من هذا المنطق، نحن بحاجة إلى تحديد استراتيجية جديدة لتطوير الجودة التي تعتمد على المهنيّة والإختصاص لأهداف عدّة، على رأسها زيادة الإنتاج وتقديم خدمات ذات قيمة مضافة، وخلق إنتاجية نفتقدها، علماً أن الصناعات المحليّة لا تنتج سلع معقدّة ذات تقنية عالية.

ولكن من الأسباب الرّئيسية التي تشكّلُّ عائقاً في تطبيق هذه الإستراتيجية هي أنّ لبنان يعاني من هجرة الأدمغة منذ ما لا يقلّ عن ٢٠ سنة وهذه الظاهرة قد زادت بشكلٍ جليّ في ظلّ الإنهيار الإقتصادي والأزمة المالية والمعيشية وتدهور العملة منذ ٢٠١٩ ولحينه.

فالدراسات والإحصاءات تظهر أنّ ما يفوق ٨٠٪ من المهاجرين هم من أصحاب الدراسات الجامعية العليا، والسّبب الرّئيسي لهجرتهم هو فقدان الأمن الإقتصادي والأمن السّياسي والحروب المتكررة التي تغيّب الإستقرار.

فبالرّغم من ثبات التحاويل من الخارج ومع إستمرار تدفّق التحويلات بالمليارات، بالأخص في المناسبات التجارية السنوية كالأعياد وفصل الصيف، فإنّ تأثيرها هامشيّ على الإقتصاد إذ أنّ معظمها يُستخدم في الإستهلاك المحليّ أو الإستثمارات السريعة والقصيرة المدى. ونبقى أمام عجز واضح وعميق للعرض والطلب في سوق العمل ممّا يؤدّي إلى بطالة عالية.

فالوضع الإقتصادي الحالي يدفع بالطاقات الشبابيّة المتعلمّة إلى الهجرة للعمل في دول ذات إقتصاد مستقر حيث تتوفّر مجالات الإبتكار مما يتيح لهم التمتع بالحريّة الإجتماعيّة وحياة طبيعيّة ومستوى معيشي لائق بعيداً عن الفوضى المؤسساتيّة وعدم الإستقرار السياسيّ والمحسوبيّات السياسية والحزبية. في المقابل، يؤثّر هذا الأمرعلى إمكانية إنتقال الدولة اللبنانيّة ومجتمعها إلى إقتصاد ذو قيمة مضافة ويؤّدي إلى نقص في الصناعات الحيويّة والتقنيّة مثل تكنولوجيا المعلومات والطّب والبحوث العلميّة.

فإذا أردنا إرجاع الطاقات الشبابيّة التي هاجرت أو على الأقل الإبقاء على الشباب الذين سيدخلون سوق العمل لاحقاً، يجب تغيير طريقة عملنا لكي نلغي الأسباب التي تدفعهم إلى الهجرة ونبدأ بالبحث عن وسائل تخفّف من أثرها.

من هذا المنطلق، لا بدّ من وضع سياسات على المدى الطويل تُحوّل الإقتصاد إلى إقتصاد معرفة لإستقطاب وخلق وظائف في القطاعين العام والخاص، وتحفّز الإبتكار والمبادرات الفردية لتشجيع التوظيف الذاتيSelf-employment  لطلّابنا، وتشجّع الشركات الناشئةStartup  وتحثّ على التطوير والبحث العلمي والعمل الأكاديمي والجامعي، علماً أن الدولة والحكومات المتتالية لا تدرك أهميّة الإمكانيات العلميّة لتطويرالعمل في الإدارات العامّة مثل الصحّة والتّعليم وغيرها.

 إضافة إلى ذلك،  يجب وضع آلية ضمن خطة واضحة تستهدف الإختصاصيين من الجيل الثاني والثالث في الإغتراب، والإستثمار في علاقاتهم مع الدول التي يعملون فيها وربطهم بالإقتصاد اللبناني؛ فمن المؤكد، أنّ لا سبيل لبناء إقتصاد متين دون الرجوع إلى الإمكانات الفكرية المتوفرة في الطاقات الشبابية الموجودة والتي تعتبر قيمة مضافة للنموّ الإقتصاديّ.

ختاماً، يجب التّفكير بشكل مبدع  وخارج الأُطر النمطيّة   “Out of the Box” بعيداً عن المألوف والمعتاد الذي برهن فشله خلال السنوات الماضية حتى اليوم وذلك عبر تفعيل العقل الإبداعي وتحفيذ المهنيّة العالية للأجيال الحالية والقادمة.