الاستقرار في الجنوب مقابل تجاهل سلاح الميليشيات

تحظى المواجهات المضبوطة والمدروسة بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي باهتمام دولي يكاد يفوق الاهتمام الفعلي لعمليات الحوثيين، وتؤثر على الملاحة بالبحر الأحمر. ولا يمرّ يوم من دون مواقف إسرائيلية أو دولية تشير لضرورة تحقيق الاستقرار في جنوب لبنان وتطبيق القرار 1701، إلى جانب التهديدات ونقل رسائل التحذير من قبل الموفدين الدوليين، في حين هناك مساران يعملان للوصول إلى اتفاق، الأول من خلال زيارات الفرنسيين إلى لبنان وإسرائيل، وآخرها وزيرة الخارجية كاترين كولونا إلى تل أبيب على أن تزور بيروت بعدها في إطار تبادل الرسائل والتحفيز على تحقيق الاستقرار.

أما الثاني، فهو المسار الأميركي، الأكثر فعالية بالاستناد إلى تجربة مبعوث شؤون الطاقة آموس هوكشتاين في ملف ترسيم الحدود البحرية، ومساعيه لتطبيق القرار 1701 ولكن انطلاقاً من ترسيم الحدود البرية والانسحاب الإسرائيلي من 13 نقطة متنازع عليها، إضافة إلى إيجاد حلّ لمسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

ما هو معروف أن هذا المسار سيكون بحاجة إلى وقت طويل ومفاوضات شاقة، في وقت أبلغ «حزب الله» الجميع بأن أي تفاوض لن يحصل قبل وقف الحرب على غزة.

يظهر ذلك، أن الجبهة الجنوبية للبنان ستبقى مضبوطة، في ظل عدم رغبة «حزب الله» في الذهاب إلى حرب واسعة، وعدم قدرة الإسرائيليين على خوضها خصوصاً في ظل الاعتراض الأميركي على أي تصعيد.

وبذلك يستمر التركيز وفق الإطار السياسي والدبلوماسي لإيجاد الحل، رغم استمرار العمليات وفق قواعد الاشتباك.

وهنا لا بد من تسجيل نقطة لافتة تتعلق بتركيز القوى الدولية على تطبيق القرار 1701، وبالتالي تكريس الاستقرار جنوباً في مقابل عدم الإتيان على ذكر القرار 1559، وهو قرار دولي يشير إلى إزالة سلاح الميليشيات. بينما القرار 1701 ينص على عدم الوجود العسكري لـ «حزب الله» في جنوب نهر الليطاني، وبالأساس فإن هذا القرار لم يطبق إذ حافظ الحزب على وجوده في موازاة الحفاظ على استقرار الجبهة بين عامي 2006 و2023.

في هذا السياق، تبرز مخاوف لبنانية ودولية من أن يكون ثمن إعادة العمل بموجب القرار 1701 في الجنوب، هو تحقيق «حزب الله» للمزيد من المكاسب السياسية في الداخل بناء على مفاوضات إيرانية أميركية، وبالتالي يتم إطلاق يده السياسية في الداخل. وهذا لا يمكن فصله عن الأسباب التي تدفعه إلى تجنّب الحرب، كي لا يضحي برصيد سياسي كبير عمل على مراكمته طوال السنوات الماضية وبعد حرب تموز 2006. ولذلك فإن أي حرب سيخوضها الحزب ستكون تداعياته كارثية على لبنان بفعل الدمار والانهيار الذي سيحصل، وهو ما لا يريد الحزب التضحية به ولا إيران التي تنظر إلى الحزب كدرة التاج لمشروعها أحد أبرز قواها الإقليمية وذات الأدوار المتجاوزة للحدود اللبنانية.

من هنا لا بد من إلقاء النظر على ما يقوم به الحوثيون في اليمن، من خلال تهديد الملاحة، وبذلك تبقي إيران يدها عليا في الخليج، وتقول للجميع إنها وحدها القادرة على الإمساك في وضع أمن الملاحة في الخليج والبحر الأحمر، وبذلك تكون هي التي تمسك بالوضع على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، ولها يد وقرار وتأثير في فلسطين والقضية ولا يمكن تجاوزها في أي حل، وصولاً إلى نشاط الحوثيين العسكري في اليمن والذي سيفرضها قوة مقررة أو مفاوضة على الطاولة في أي حلّ للمنطقة. وبناء عليه، فإن الدور الذي يؤديه الحوثيون في هذه المرحلة، يشبه إلى حد بعيد أدواراً كان «حزب الله» يؤديها سابقاً في لبنان وخارجه.