الاقتصاد الأسود يقلق واشنطن: الأموال للانتخابات!

لم تكن الحدة غير المسبوقة التي اتسمت بها مواقف الموفد الاميركي توم براك العائد إلى الملف اللبناني من باب الدعوة إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل، باب الضغط الوحيد الذي تمارسه واشنطن على لبنان، وهو ضغط جدي ينقل الملف اللبناني إلى واجهة الأولويات بعد اتفاق غزة، ويدفع بجدية كاملة نحو إطلاق مسار تفاوض مباشر مع إسرائيل.

فقد تزامنت مواقف براك مع ضغط مماثل لمسه عدد من أعضاء الوفد اللبناني إلى اجتماعات صندوق النقد الدولي، وذلك خلال اللقاءات الهامشية مع مسؤولين في الإدارة الأميركية والخزانة. وعلمت "النهار" أن جوهر المحادثات ومحورها الأساسي تركز على الاقتصاد الأسود، أو الاقتصاد الموازي الذي يعيش تحت وطأته لبنان والذي يوفر التمويل لـ"حزب الله" من خارج النظام المصرفي اللبناني الشرعي.

تعتقد أوساط سياسية أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة جاءت على خلفية مالية تستهدف البنية الاقتصادية للحزب وللبيئة التي تموله، فيما ذهب البعض إلى أن بنك الأهداف الإسرائيلي الجديد لم يعد يقتصر على الأذرع العسكرية والسياسية للحزب، وإنما على البيئة الاقتصادية القادرة على توفير مقومات إعادة الإعمار، كما حصل في المصيلح. لكن مصادر شاركت في اجتماعات واشنطن كشفت أن المرامي الأميركية باتت أبعد وتتجاوز الأهداف الإسرائيلية المتصلة بالبنى التحتية الاقتصادية والعسكرية للحزب وبيئته والمحيط المدني الذي يعيش فيه. فالتركيز الأميركي بحسب المعلومات على الحزب لم يعد يتصدر أولوية الضغط، على قاعدة أنه لم يعد يملك الأدوات أو المقومات التي تؤهله للحفاظ على موقعه بعد الخسائر الفادحة التي مني بها تحت وطأة الغارات الإسرائيلية قبل اتفاق وقف النار وبعده.

وفي رأي هذه المصادر أن الاهتمام الأميركي يركز حالياً في شكل أساسي ومباشر على قنوات التمويل التي يحظى بها الحزب، سواء من خلال شركات تحويل الأموال أو عبر الأموال النقدية التي لا تزال طليقة وتصله من خلال ما يهرب من تركيا أو العراق أو إفريقيا أو أميركا اللاتينية عبر طرابلس أو في البحر، وهذه لا تخضع لرقابة الدولة أو قدرتها على ضبطها. من هنا، برز الضغط على المصرف المركزي للتعامل بصرامة أكثر مع اقتصاد الكاش الذي تعجز أجهزة الدولة عن مراقبته في ظل وجود أكثر من ٥٠٠ فرع لشركات تحويل الأموال موزعة على كل المناطق اللبنانية، وهي غير خاضعة للامتثال، على نحو باتت جمعية "القرض الحسن" لا تشكل عبئاً أو خطراً بعد الضربات التي لحقتها وشلت قدراتها المالية وهامش تحركها ونشاطها.

وفي المعلومات الواردة من واشنطن أيضاً أن هذا الواقع انعكس على غالبية اللقاءات الرسمية المنعقدة هناك، حيث لمس أعضاء في الوفد اللبناني "صفر" اهتمام بالإصلاحات المالية والاقتصادية، و"صفر" اهتمام بالبرنامج مع صندوق النقد الدولي، في حين كان الهمّ الوحيد الذي شغل الأميركيين، كيفية القضاء على الاقتصاد النقدي وتجفيف منابع الحزب المتفلتة من أي ضوابط أو رقابة. ويعود التركيز على هذا الشأن إلى ضغط تمارسه واشنطن لمنع حصول الحزب على الأموال التي يحتاج إليها، ليس خشية أن يعيد بناء ترسانته العسكرية وتسليح نفسه، بل خشية استعمال هذه الأموال لشراء الأصوات في الانتخابات النيابية المقبلة. ذلك أن الأولوية الأميركية اليوم باتت لإعادة تكوين سلطة سياسية لا يحظى فيها الحزب بتمثيل وازن يتيح له المحافظة على موقعه في المعادلة السياسية الداخلية.

من هنا تكشف المعلومات أن التوجه المقبل سيكون نحو فرض رزمة جديدة من العقوبات بهدف فرض قيود إضافية على حركة انتقال الأموال، على أن يرافق ذلك مزيد من الضغط على السلطات المالية والنقدية لاتخاذ إجراءات أكثر تشدداً في المراقبة وتقييد الحركة المالية من خارج النظام المصرفي.

في الخلاصة، بات واضحاً أن الهدف اليوم تدمير اقتصاد الحزب وليس تدمير صواريخه فقط!