الانتخابات جنوبًا: بحث عن التغير وكسر هيمنة "الثنائي"

بدأت المعطيات تتحوّل نحو الغموض التدريجي.

كان يُفترض أن تمرّ المتغيّرات بكثير من السلاسة، غير أن التطورات الأمنية فرضت قيودًا غير واضحة على المشهد، بعد الانتخابات البلدية التي جرت بسلاسة وتمّ خلالها انتخاب مجالس بلدية محلية، بعضُها بدأ العمل، وبعضها الآخر لا يزال يبحث عن مصادر تمويل، بينما تتخبّط أخرى في وضع الخطط والدراسات.

اليوم، تتصدر الواجهة الجنوبية مشهد الانتخابات النيابية.

صحيح أن الجميع يُجمع على أن النتائج محسومة لصالح الثنائي الشيعي، لكن هناك من يرى أن المتغيّرات قد تفرض سيناريو جديدًا، وقد يتكرّر سيناريو انتخابات 2022، حيث خرق النائبان الياس جرادي وفراس حمدان لوائح السلطة، في سابقة بتاريخ التحالف الوثيق بين حركة "أمل" و"حزب الله"، الذي طالما حسم مقاعد البرلمان الشيعية لصالحه من دون أي خرق يُذكر.

بعد الحرب، يبدو مشهد الانتخابات أكثر تعقيدًا.

فالعين كلها على المقاعد الشيعية: هل سيتم خرقها؟ هل بات خرقها سهلًا؟ وماذا عن دور شيعة الاغتراب والصوت الاغترابي؟

أسئلة تبدو مرتبطة بسؤال أكثر أهمية: أين أصبحت المعارضة الشيعية؟ وماذا عن حضورها على الأرض؟

في الواقع، يقتصر حضور المعارضة الشيعية على بعض الندوات الخجولة، فالحراك على الأرض يبدو غير واضح ولم يكتسب بُعدًا شعبيًا.

فمنذ ثورة تشرين 2019، برزت المعارضة الشيعية بقوة على الساحة الجنوبية وسجّلت حضورًا، لكن منذ ذلك الحين، اقتصر وجودها على الشاشات، بينما لم يُسجّل أي تحرك تضامني فعلي على الأرض مع أبناء الجنوب الذين يعانون من التهجير والحرب.

هذا في الشكل، أما في المضمون، فقد بدأت الماكينات الانتخابية عملها باكرًا هذه المرة.

التحضيرات تشمل لوائح الشطب، وهيكلية الإدارة، ولقاءات مع اللجان والكوادر، وذلك استعدادًا للانتخابات.

هذا ما يقوم به ثنائي "أمل" – "حزب الله"، حيث يستعدّان مبكرًا لما يعتبرانها معركة مفصلية، يرون أنها ستؤسس لمرحلة جديدة في عمر البرلمان اللبناني.

حركة "أمل" تعتبر معركتها "كسر عظم"، خصوصًا في ظل العيون الاعتراضية التي تسعى لإسقاط رئيس مجلس النواب أما "حزب الله"، فيسحب الأنظار إليه، خاصة في ظل هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه السياسي.

فهي، بحسب مراقبين، الانتخابات الأصعب بعد ما أفرزته الحرب من نتائج، وخسارته عددًا من حلفائه في مختلف الأقضية والمحافظات.

ورغم ذلك، تستبعد الأوساط أي سهولة في خرقه نيابيًا، بسبب ما يتعرض له من هجمات بدأت تطال الوجود الطائفي، ما ساهم في زيادة الالتفاف الشعبي حوله، لا تراجعه، بل ارتفاع حجم التأييد له بشكل ملحوظ.

بالطبع، تبني المعارضة الجنوبية آمالًا كبيرة على الاستحقاق المقبل، فهي تطمح ليس بخرق بمقعدين، بل بثلاثة، وخاصة في المقاعد الشيعية، لأنها ترى أن الأداء السياسي والتنموي والتشريعي للنواب تجاه الجنوب كان صفرًا، بل تعتبره تمثيلًا حزبيًا أكثر منه تمثيلًا شعبيًا.

من هنا، تقول أوساط المعارضة إنها ستعمل بكل ثقلها لإيجاد توازن شعبي يمكّنها من الخرق في دوائر الجنوب، من دون أن تخفي أن المعركة الانتخابية المقبلة هي معركة النائب الشيعي، لأنها ترى في الأمر كسرًا للهيمنة الحزبية النيابية المسيطرة على الجنوب منذ عشرات السنوات، فهي لم تبنِ جنوبًا، ولم تقدم له خدمات تنموية فاعلة، حتى الزفت لم يحضر إلى كثير من القرى منذ سنوات.

صحيح أن الضبابية ما زالت تسيطر على المشهد الانتخابي جنوبًا، غير أن الكل بدأ، ومن تحت الطاولة، يجمع صفوفه ويَحشد، فالانتخابات هذه المرة مختلفة، فهوي سترسم معالم خارطة الجنوب من جديد، وهي التي ستحمل إما إعادة الإعمار أو الخراب، بحسب ما تقول أوساط المعارضة، من دون أن تُخفي أن الصراع الانتخابي الجنوبي اليوم ليس على مجرد مقعد، بل على كسر الإقطاعية الحزبية الجديدة.