المصدر: المدن
الكاتب: غريس الهبر
الاثنين 3 تشرين الثاني 2025 07:38:04
بدأ العد العكسي لزيارة الحبر الأعظم، البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان، ولبنان، دولة وشعبًا، ينتظر قدومه ويترقب هذه الزيارة التاريخية. وإذ تأتي زيارته تلبية لدعوة رئيس الجمهورية جوزاف عون والسلطات الكنسية اللبنانية فإنها تحظى برمزية دينية وسياسية ووطنية، خصوصًا أنها تعد أول زيارة رسولية في حبريّته.
"ننتظره"، يقول جرجس طانيوس معبراً عن فرحته بزيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان. ويؤكد أنها "في أبعادها أكثر من حدث ديني، هي حدث تاريخي لكل اللبنانيين ليذكرنا بأن لبنان هو وطن الرسالة، كما تعطي زيارته جرعة أمل للبنانيين في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان والمنطقة".
أما شربل معوّض، فيعتبر أن "زيارة البابا في سنة اليوبيل هي دعوة رجاء لكل اللبنانيين لنتحد سويًا، وللمسيحيين للتمسك بالأرض والجذور والهوية"، داعيًا إلى أن "الصلاة لكي تحمل زيارة البابا الكثير من النعم للبنان"، على حد تعبيره.
ويشير معوّض إلى أن زيارته في هذه الظروف الصعبة تجسد نوعًا من "التحدي"، فعلى الرغم من كل الظروف التي تحيط بلبنان، "سيأتي البابا ليكون مع اللبنانيين وإلى جانبهم، وهذا نوع من تحدي الشر بالخير، خيبة الأمل بالرجاء، والكره بالمحبة".
وتعد زيارة البابا زيارة حجاً رسولياً ورعوياً، خصوصًا أنها تأتي بعد محطته الأولى في تركيا، عقب مشاركته بإحياء مرور 1700 عام على انعقاد مجمع نيقية الأوّل، الذي كان أوّل مجمع مسكوني في تاريخ الكنيسة الذي وحّد الإيمان المسيحي.
وستبدأ زيارة قداسته في 30 تشرين الثاني، وتستمر لغاية 2 كانون الأول المقبل، تتخللها محطات عدة لها رمزيتها، بينها الصلاة الصامتة في موقع انفجار مرفأ بيروت التي خصصها قداسته عن روح الشهداء الذين سقطوا.
"مبادرة تكبّر القلب ويشجعنا ويؤكد لنا أن القضية لا تزال أولوية"، يقول أجود شيّا والد الشهيد المعاون جواد شيا. ومشدداً على أن الزيارة "شرف لنا"، لاسيما أنه "داعم للقضية والدليل على ذلك أنه خصَّنا بصلاة في مكان الانفجار رغم ضيق وقته"، مذكرًا بالزيارة التي قام بها أهالي شهداء انفجار المرفأ إلى الفاتيكان ولقاء قداسة البابا الراحل فرنسيس، حيث "أقيم قداس عن أرواح الشهداء وأكد دعمه للقضية وتبيان الحقيقة ومحاسبة المجرمين".
لبنان الرسالة!
ولطالما كان للبنان مكانة خاصة لدى الفاتيكان، فمنذ حبرية قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، إلى قداسة البابا بينيديكتوس السادس عشر، إلى قداسة البابا فرنسيس، ثمة إجماع على ان لبنان بلد الرسالة، وفق ما توضح المصادر. مضيفًة: "وكما قال القديس يوحنا بولس الثاني: "لبنان أكتر من وطن، هو رسالة".
وتشير مصادر مقربة من الكرسي الرسولي ومتخصّصة بالعلاقات الفاتيكانية إلى أن الفاتيكان يرى لبنان أكبر من بلد صغير في الشرق؛ لا بل يمثّل نموذجًا مميّزًا للعيش المشترك بين الطوائف، وملتقى للأديان السماوية والحضارات. ومن هذا المنطلق فإن الزيارة البابوية للبنان دائمًا ما تكون أبعد من السياسة والدين، اذ إنها رسالة بحد ذاتها،
وتؤكد المصادر أن قداسة البابا يأتي اليوم إلى لبنان حاملًا هذه الروحية والايمان بدور لبنان الرسالة، على الرغم من أن الظروف الحالية أصعب بقليل، محملًا برجاء جديد، وصوت سلام، ودعوة جدّية للبنان ليعيش الرسالة التي كُرّس لها عبر الزمن.
التمسك بالدور الوطني
لا يمكن أن نغفل أن للزيارة طابعاً سياسياً بالمعنى الإيجابي للكلمة، لا سيما أن الفاتيكان يرى أن لبنان لا يزال النقطة المضيئة الوحيدة في المشرق ويتمتع بحضور مسيحي فاعل، على الرغم من كل ما جرى في سوريا والعراق، وفق المصادر.
ومن هنا فإن البابا سيشدّد في عظاته على أهمية بقاء المسيحيين متمسكين بدورهم الوطني، كجسر توازن ورسالة محبّة، وليس كطرف بين أطراف متنازعة، كما سيّركز في رسالته على دعوة اللبنانيين إلى تحييد أنفسهم عن صراعات المنطقة، والعمل سويًا ليبقى لبنان واحة سلام وتلاقي، وفق المصدر.
من المتوقع ايضًا وفق المصادر، أنّ يذكّر بالمسؤولية الاجتماعية للكنيسة، خصوصًا في ميادين التربية والصحة، وبضرورة الاهتمام بالعائلات المحتاجة والمتأثرة بظروف الحياة الصعبة، كي لا يضطرّوا إلى اتخاذ قرار الهجرة ومغادرة أرضهم.
حجّاج الرجاء!
ولا شك ان زيارة الحبر الأعظم إلى لبنان بتوقيتها ومدلولاتها الرعوية، رسالة دعم إلى لبنان، بموقعه ودوره التاريخي في المشرق، كرسالة سلام ومحبة، لا سيما أن هذه الأرض باركها يسوع المسيح ووطن القديسين.
وتتزامن زيارة البابا لاوون الرابع عشر مع حلول سنة اليوبيل "حجّاج الرجاء"، وهو ما يمنحها بُعدًا روحيًا عميقًا. ومن هنا، يشير المصدر إلى ان البابا يأتي كـ"حاجّ"، وليس كرئيس دولة الفاتيكان، وايضًا ليذكّر اللبنانيين إنّ بالإيمان والرجاء يمكنهم إحياء السلام في بلد تعب كتيرًا، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
وقبل عودته إلى بيت الله، أعلن البابا فرنسيس سنة اليوبيل بعنوان "حجاج الرجاء"، داعيًا المؤمنين المسيحيين في العالم إلى هذه التجربة الروحية. وهذا التقليد تعتمده الكنيسة الكاثوليكية كل قرن أو نصف القرن بالإعلان عن سنة يوبيلية كما جاء في الكتاب المقدس، والتي تدعو فيها الناس إلى التوبة والعودة إلى الله.
وهذه السنة مقدسة في الكنيسة الكاثوليكية، يُحتفل بها لتقديم التوبة، والغفران، وتجديد الإيمان. وعنوان هذه السنة "حجاج الرجاء" وفيه تركيز على الرجاء المسيحي الذي ينبع من الإيمان بالله، والذي هو أساس الحياة المسيحية، حتى في أوقات الصعوبات والابتلاءات.
كذلك تدعو المؤمنين إلى أن يكونوا حجاجًا روحيين في حياتهم اليومية، يسعون للتوبة، والغفران، ونشر السلام والمحبة. وتتضمن نشاطات السنة اليوبيلية الحج إلى الكنائس أو الأماكن المقدسة المحلية أو العالمية، والاعتراف والتوبة للحصول على بركات الغفران، والأعمال الخيرية والمساعدة للمحتاجين كجزء من الرحلة الروحية، تنظيم اللقاءات والاحتفالات الدينية التي تعزز الإيمان والرجاء.
رابع البابوات في لبنان
وتعد زيارة البابا لاوون الرابع عشر، الرابعة لحبر أعظم إلى لبنان، بعد الزيارة الأولى للبابا بولس السادس في العام 1964 التي اقتصرت على مطار بيروت خلال هبوط الطائرة، والزيارة التاريخية للبابا يوحنا بولس الثاني في العام 1997، وزيارة البابا بينيديكتوس السادس عشر في العام 2012.
وكان مكتب الصحافة التابع للكرسي الرسولي، قد أعلن البرنامج الرسمي للزيارة الرسولية التي سيقوم بها الحبر الأعظم إلى لبنان لمدة 3 أيام:
ففي اليوم الأول ولدى وصوله إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، ستقام مراسم الاستقبال الرسمية للبابا لاوون، على أن يتوجه بعد ذلك إلى القصر الجمهوري في بعبدا حيث سيزور رئيس الجمهوريّة، ليلتقي بعدها برئيسي مجلس النّواب والوزراء، وينهي يومه الأول من الزيارة بلقاء السّلطات وممثلي المجتمع المدني والسلك الدبلوماسي.
أما اليوم الثاني فيستهله بزيارة وصلاة عند ضريح القديس شربل مخلوف في دير مار مارون في عنايّا، وسيتبعه لقاء مع الأساقفة والكهنة والمكرّسين والعاملين في الرعويات في مزار سيدة لبنان في حريصا، ولقاء خاص مع البطاركة الكاثوليك في السفارة البابوية، لقاء مسكوني وحواري بين الأديان في ساحة الشهداء في بيروت، ولقاء مع الشباب في ساحة الصرح البطريركي الماروني في بكركي.
وفي اليوم الأخير، سيزور الحبر الأعظم الطاقم الطبي والمرضى في مستشفى راهبات الصليب في جل الديب، وصلاة صامتة في موقع انفجار مرفأ بيروت، ويتبعها احتفال بقداس إلهي في "الواجهة البحرية لبيروت" يتخللها عظة للبابا، لتقام فيما بعد مراسم الوداع الرسمي في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت.
والجدير بالذكر أن التحضيرات لزيارة البابا لاوون تسير على قدم وساق، وهو ما أكده كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام، وانتظار هذه الزيارة التاريخية بكل رجاء وأمل. ومن جانب آخر، سبق لقداسته أن شدد على أن زيارته تأتي قبل كل شيء لمواساة شعبٍ تعرّض منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 لضربة تلو الأخرى".. فلعلّ هذه الزيارة تبلسم جروح لبنان المتراكمة!